من الآن وحتى تردّ إيران على الاعتداء الإسرائيلي على اغتيال إسماعيل هنية في عقر دارها، ومن الآن وحتى يردّ “حزب الله” على اغتيال إسرائيل القائد في “المقاومة الإسلامية” فؤاد شكر، سيبقى الإسرائيليون، ليس في الشمال فحسب، بل وفي كل شبر من الأراضي الفلسطينية المحتلة، في الملاجئ وفي المخابئ، لا يعرفون متى ستنقض الصواريخ على رؤوسهم. وسبق أن أشرت في مقالة سابقة إلى مدى تأثير الحرب النفسية على المعنويات، وهي جزء أساسي ومهم في الحروب. ومن يحسن استخدامها يكون كمن يسجل نقطة تقدّم على الآخر حتى قبل احتدام المعارك، التي سيكون فيها بالتأكيد رابح وخاسر. وهذه هو منطق الحروب، التي غالبًا ما تؤدي إلى انصياع المهزوم لإرادة المنتصر عبر تسويات لا تكون عادة لمصلحة الفريق غير المنتصر.
ولكن، وفي المقابل فإن للانتظار المقلق، الذي تحدّث عنه الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله، وجهًا آخر غير الخوف والقلق، اللذين يعيشهما الإسرائيليون في الجنوب والوسط والشمال، وهو أن اللبنانيين، بمن فيهم البيئة الحاضنة لـ “المقاومة الإسلامية”، وبالأخص أهالي القرى الجنوبية وأهالي الضاحية الجنوبية لبيروت، يعيشون القلق والخوف ذاتهما، وقد يكون بقدر أعلى، لأن الردّ الإسرائيلي، كما هو متوقع، على ردّي إيران و”حزب الله” الحتميين والمنتظرين، سيكون مزدوجًا، أي بمعنى أن إسرائيل سـ” تفش خلقها” باللبنانيين لأنها عمليًا يتعذّر عليها الردّ في العمق الإيراني، فتكتفي في هذه الحال بقصف لبنان من جنوبه حتى سهله وشماله، وبالأخص في المناطق الحاضنة لـ “حزب الله”. إلاّ إذا كانت تل أبيب تريد هدم كل الجسور فتذهب بطائراتها المدمرة إلى الأجواء الإيرانية وتستهدف منشآت المفاعل النووية في الأراضي الإيرانية مستبقة أي ضربة متوقعة لإيران. (سيناريو محتمل).
وهذا ما كان قد حذّرت منه أغلبية اللبنانيين، الذين عارضوا فكرة “الحرب البديلة” عن طريق تمرير فكرة “توحيد الساحات” إسنادًا لأهالي غزة المنكوبين والمتروكين لقدرهم ومصيرهم، أي بمعنى أن “حزب الله” أراد أن يفتح جبهة الجنوب اللبناني خدمة للمشروع الإيراني في المنطقة. هذا ما يقوله الذين لا يتوافقون مع السياسات التي يتبعها “حزب الله” حتى قبل إقدامه على فتح “جبهة على حسابه”، على حدّ تعبيرهم، وهو الذي يقاتل نيابة عن إيران بسلاحها الوفير، لأن “بطبيعة المعركة وتصور محور المقاومة وجبهة المقاومة للقتال، ليس مطلوباً من إيران أن تدخل قتالا دائمًا” على حدّ تعبير نصرالله في خطابه الأخير، وهي التي “تذبح بالقطنة”.
قبل أن يطّل السيد نصرالله على جمهوره، وهي الاطلالة الثانية له بعد اغتيال شكر في الضاحية الجنوبية، خرق العدو الإسرائيلي جدار الصوت لأكثر من مرّة مما أحدث رعبًا ليس فقط في ضاحية بيروت الجنوبية، بل في مختلف المناطق اللبنانية حتى تلك البعيدة عن العاصمة. وهذا ما دفع “سيد المقاومة” إلى الحديث عن هذا الأمر عندما قال “اليوم (أمس الأول) لما طلعت المسيرات ذاهبة باتجاه عكار، كل الشمال توتر، الآن هو يأتي لعندنا ويقوم بجدار صوت. كان السيد فؤاد رحمة الله عليه يُناقش معي ويقول لي أنا عندي فكرة لنعمل جدار صوت عندهم، طبعًا كان عنده فكرة لن أقولها الآن نتركها ليوم آخر، كنت أقول له أجلها يا سيد، نحن أصلًا عاملين أهم جدار صوت عند الإسرائيليين، وهو عندما نطلق مُسيرة أو صاروخ تبدأ صفارات الإنذار بكل المستعمرات، وتعرفون هؤلاء جبناء ويخافون وليس عندهم معنويات وينهارون والباقي معلوم ماذا يحدث لهم، هذا أهم جدار صوت نحن نقوم به بالنسبة للإسرائيلي”.
ويقول الذين يعارضون سياسة “حزب الله”: لم يكن اللبناني مضطّرًا ليتحمّل لا “جدار الصوت” ولا ما قد يأتي بعد “جدار الصوت”، لأنه لا يريد الحرب في الأساس، على رغم إقراره بالحقّ الفلسطيني المقدس، ولكنه ليس ملزماً أن يقاتل نيابة عن إيران مثلًا، ولم يكن مضطرًّا لكل هذه المعاناة فيما الآخرون يكتفون باستخدام “القطنة”.
المصدر: “لبنان 24”