

::سامي حمد::
خاص “ميديا البلد”
عندما تتحدث عن لبنان يخطر ببالك هذا البلد الصغير على الضفة الشرقية للبحر الأبيض المتوسط ذو الطقس المعتدل المليئ بأشجار الصنوبر وذو البيئة التي تجمع بين الإنفتاح الأوروبي وسحر شرقي.
هذه الميزات التي يتمتع فيها بلد مثل لبنان تركت أثرها في كل مجال من الثقافة إلى السياسة مروراً بالبنية الإجتماعية التي تحمل كافة تناقضات هذا البلد الصغير وصولاً إلى الإقتصاد والسياحة.
وبالحديث عن الإقتصاد والسياحة, فلا شك أن الشخصية اللبنانية التفاعلية بديناميكيتها المعهودة تمكنت من إختراق الواقع الدوري التأزم لخلق حالة فريدة من الصمود والإبتكار حتى في أكثر الأماكن نأياً وأصعب البقع الجغرافية وصولأً.
ومن هذه القوقعة إستطاع اللبناني أن يرتقي بمستوى خدماته ورقي ما يقدمه من أفكار وثقافات, وهنا نحن لا نتحدث عن ثقافة مجتمعية بما فيها من إتجاهات وتناقضات سياسية وفكرية ودينية, إنما نتحدث عن بقعة ضخمة من الأمل وكتلة طاقة هائلة قد تكون السر وراء صمود لبنان ومبارزته لكافة الأزمات بروحية خلاقة تقارب الجمال من كافة إتجاهاته.
وقد برزت في هذا الإطار مجموعة من المبادرات منها ما يتعلق بقدرة تفاعلية لا تُنافس عبر مواقع التواصل الإجتماعي ومنها ما يرتبط بصالونات الأدب والفكر التي كان لها عبر هذه المواقع صولات وجولات من النجاح ومنها ما يتعلق بقدرة على تجميل المشهد السياحي والترفيهي في هذا الوطن الصغير.
وما يهمني في هذا المقال هو الإضاءة على مقهى زرته صدفة في عمشيت, مطعم صغير في حجمه لم يمر وقت كبير على إفتتاحه في هذه البلدة البحرية القريبة من مدينة جبيل والمطلة على البحر.
“كاليبار”, هو مطعم صغير يتحول إلى مقهى ليلي مفتوح على الهواء الطلق لا تحده أي أسوار من أي مكان, يحمي نفسه من حر الصيف بالموسيقى وببعض ممن يعشقون الحياة.
وما يميز هذه المبادرة هو أنها, ورغم قربها من البحر –إذ لا تبعد عنه سوى دقيقتين مشياً- وفوق جمال تصميم المكان, أنها مبادرة شبابية تعتمد بشكل كبير على المنتج اللبناني, فيتم فيها تقديم عرق بطعم التوت “صنع في بيت لبناني في جزين” بالإضافة إلى نبيذ أبيض لبناني منزلي الصنع أيضاً لكنه تمكن من الدمج بين النفس البرتغالي والطعم اللبناني. هذا بالإضافة إلى المأكولات المشوية بعناية قل نظيرها والتي يتم تقديمها عند الظهيرة لرواد المكان.
لن تندم أبداً في حال قررت تذوق افخر نبيذ وأجود نوعية من العرق تراه في حياتك, وأنا هنا لا أقوم بالترويج لهذا المكان. لكن ولشدة ما أعجبني نبيذهم المحلي والعرق الذي يقدموه بالإضافة إلى حسن الضيافة والجلسة المريحة في المكان لم أجد ما أفعله سوى الحديث عنه ببضع من الكلمات التي يستحقها وذلك لأن كل ما من شأنه منح لبنان مصداقية وتعزيز صورته يستحق من دون شك أن يعوّم.
الأهمية الأكبر في هذا الموضوع هي أن القيمين على هذا المكان هم مجموعة من الشبان الذين قرروا أن يكون لعمشيت مكانة سياحية من بين المدن الأخرى عل إفتتاحهم لهذا المقهى-المطعم يكون بادرة تنتعش من خلالها المنطقة وتضيف نقطة رئيسية على الخارطة السياحية لهذا البلد.
وفي هذا الإطار سألنا روي أبو فيصل وهو أحد مؤسسي هذا المطعم حول ما رآه في تلك الزاوية ودفعه لإفتتاح المطعم فأجاب: “في الواقع هذه الزاوية تعتبر قريبة جداً من البحر وهي قريبة أيضاً من مجمع سياحي كبير ومعروف وهي بالإضافة إلى ذلك صلة الوصل بين الكورنيش البحري وبين البلدة والأوتوستراد مما يمنح هذه الزاوية موقعاً مميزاً في المنطقة”.
وتابع: “لقد إخترنا هذه الزاوية لتكون إستراحة لمن يقصدون بيروت من الشمال حيث أنه بإمكانهم المرور لتفادي عجقة السير والإستراحة في المقهى حتى تمضي الزحمة المرورية حيث سيتمكنون من متابعة السير بسلاسة بعد إسراحتهم”.
ولدى سؤاله عن توقعاته بالنسبة لمستقبل عمشيت السياحي قال: “عمشيت هي ثاني مدينة سياحية بعد جبيل, وبسبب إفتتاح الكورنيش البحري فإن فرصها لتصبح مدينة يقصدها الناس قد تعززت بشكل كبير, ونتيجة لذلك بتنا نرى شيئاً فشيئاً إستراحات صغيرة تفتح هنا وهناك بين الفينة والأخرى”.
من ناحية أخرى لفت أبو فيصل إلى أن “موقع المطعم يعتبر مناسب جداً خصوصاً أنه لا يقع ضمن منطقة سكنية, وما تراه من مبان بقربه لا تعدو كونها مؤسسات تجارية غير مسكونة, وهو الأمر الذي يمنح هذا المكان مشروعية من حيث عدم تعديه على راحة السكان والمواطنين”.
وختم أبو فيصل أن عمشيت منطقة جميلة ولا ينقصها شيء لتكبر وتصبح وجهة لمن يريدون الترفيه عن أنفسهم, خصوصاً أن إمكانات المنطقة وفرصها كبيرة جداً ويمكن إستغلالها إلى أقصى الحدود, فنحن لدينا منفذ طويل على البحر ولدينا الموارد البشرية اللازمة ولدينا طبيعة جميلة بخضرتها وزرقتها, أضف إلى ذلك أن الطريق العام الذي يصل الشمال ببيروت قريب جداً من المنطقة والوصول إليه سهل, وأنا نتيجة لهذه العوامل أتوقع بأن تصبح عمشيت مدينة منتعشة في وقت قريب”.
قد يكون هذا الأمر من قبيل التوقع لا أكثر, قد يصيب وقد لا يصيب, لكن العقل اللبناني مشهور بسرعة بديهته وذكائهه في إستشراف الفرص, فكيف إذا كانت الفرصة على بحر عمشيت؟