

على وقع الاهتزاز الحكومي على خلفية زيارة عدد من الوزراء إلى سوريا، وفيما الأنظار مشدودة إلى معركة الجيش ضد إرهاب “داعش” في جرود راس بعلبك والقاع، يسود الترقب لما سيسفر عن الحوار الذي دعا إليه رئيس الجمهورية ميشال عون حول سلسلة الرتب والرواتب، قبل أن يتخذ عون قراره النهائي، بتوقيع “السلسلة” أو ردها.
ورأت “الجمهورية” أن الرئيس عون نَقل الإشكالية التي تثيرها سلسلة الرتب والرواتب الى مستوى جديد من النقاشات، من خلال دعوته المجتمعَ اللبناني بكلّ قطاعاته، الى التحاور في قصر بعبدا إلى جانب وزراء يمثّلون، إلى حقائبهم، القوى السياسية التي ينتمون إليها، والتي تتكوّن منها الحكومة.
وكان عون دعا إلى لقاء حواري في بعبدا الحادية عشرة قبل ظهر الاثنين المقبل “للبحث في مختلف وجوه الخلاف والتناقض واختلاف الآراء حول قانونَي سلسلة الرتب والرواتب في القطاع العام، وإحداث بعض الضرائب لغايات تمويلها، في حضور رئيس الحكومة سعد الحريري والوزراء المختصين، وحاكِم مصرف لبنان، وممثّلين عن الهيئات الاقتصادية والعمّالية والمالية، ونقباء المهن الحرة، والمدارس الخاصة، والمعلمين في المدارس وأساتذة الجامعة اللبنانية”.
وتَبيَّن لـ”الجمهورية” من خلال مضمون الدعوة الى هذا الحوار أنّ المتضرّرين والمستفيدين والمعترضين على السلسلة أو الضرائب سيكونون على طاولة واحدة لتبادلِ الآراء. لكنّ علامة الاستفهام المطروحة تدور حول ما هو الجديد الذي سيقدّمه كلّ طرف، ما دامت المواقف مفرَزة ومعروفة، وهي تتناقض الى حدِّ المواجهة الحادّة؟ فهل سيكون مسموحاً تحويل الحوار الاقتصادي سوقَ عكاظ؟
وقالت مصادر بعبدا لـ”الجمهورية” إنّ عون “دعا إلى الحوار لكي يستنيرَ بآراء المعنيّين بملف السلسلة، تمهيداً لممارسة حقّه الدستوري في اتّخاذ القرار المناسب، والهدف الأساس هو الاستماع الى آراء الجميع وتقويم الصورة”. وأوضَحت أنّ “الدعوة تشمل جميعَ المعنيين بالشأن المالي والاقتصادي، من هيئات نقابية ومطلبية واقتصادية، أي ما يعني جميعَ شركاء الإنتاج في كلّ القطاعات”. واستغربَت “محاولة تصوير الدعوة إلى الحوار وكأنّها اختزال للمؤسسات، لأنّ الحوار أصلاً هو مِن الأسس التي يَرتكز عليها لبنان، وإذا فقِد هذا الحوار فمعنى ذلك أنّ علّة وجود لبنان فقِدت، ومِثل هذا الحوار كان يُفترض أن يجري في المجلس الاقتصادي الاجتماعي، ولكنْ والحال التي نحن فيها أوجبَت الدعوة إلى هذا الحوار حول موضوع حسّاس يفترض أن يقارَب بكلّ عقلانية وموضوعية”.
واعتبرت مصادر “الحياة” أن اللقاء الحواري يشكل مناسبة قد تكون الأخيرة لإعادة النظر في بعض البنود الضريبية في السلسلة، لا سيما أن الرئيس لم يتخذ قراره النهائي حتى الساعة بالتوقيع عليها في ضوء استبعاد رئيس البرلمان نبيه بري عدم توقيعه. وقالت إن سلسلة الرتب قد تخضع إلى تسوية ترضي الهيئات الاقتصادية ولا تقلق العاملين في القطاع العام، خصوصاً أن رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان كان صوّت وزملاءه في “تكتل التغيير والإصلاح” عليها في الجلسة التشريعية. ورأت أن أي تعديل في البنود الضريبية يجب أن يتلازم مع البحث عن موارد مالية أخرى لتحقيق التوازن بين كلفة صرفها وبين توفير المال لتغطية هذه الكلفة لأن المالية العامة لم تعد قادرة على تحمل المزيد من العجز في الموازنة.
وخلصت “الجمهورية” إلى التساؤل عن الخلاصات التي قد يخرج بها حوار محكوم بتوقيت قصير المدى، إذ سيكون أمام عون نحو أسبوع فقط إذا أراد ردّ قانونَي السلسلة والضرائب؟ وهل هذه الفترة كافية للتوصّل إلى تفاهمٍ حول لائحة طويلة من المطالب والثغرات والشوائب المخالفة للقوانين؟
وإعتبرت “اللواء” أن الدعوة الرئاسية كشفت عن مدى حراجة الموقف الذي يواجهه الرئيس ميشال عون، بعدما وصل به خيار التوقيع على القانون أو رده بموجب الصلاحيات الدستورية الممنوحة له إلى الطريق المسدود، إذ ان أي قرار يفترض به ان يتخذه ستكون له تداعيات سواء على صعيد الوضع الاقتصادي العام في البلاد أو لدى النواب الذين أقروا القانون في 18 تموز الماضي، أو لدى المستفيدين من السلسلة من موظفين اداريين واساتذة وعسكريين عاملين ومتقاعدين، والذين يشكلون شريحة واسعة جداً من المجتمع اللبناني.
وفي تقدير مصادر نيابية لـ “اللواء” ان أكثر من عامل ساهم في حراجة الموقف الرئاسي، لعل أبرزها، ان الرئيس عون رفع السقف كثيراً إزاء ما يمكن ان ينشأ عن نفاذ السلسلة من حقوق المستفيدين منها، أو ما يرتبه من انفاق قد ينعكس سلباً على الانتظام المالي العام والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والمالي في البلاد من جهة أخرى، ما دفعه إلى البحث عن غطاء يسمح له باتخاذ قرار، سواء باتجاه سوق مبررات ردّ القانون، أو التوقيع عليه، استناداً إلى ما يمكن ان يتوصل إليه المتحاورون في بعبدا من قرار على هذا الصعيد.
ولفتت مصادر رئاسة الجمهورية لـ”اللواء” إلى أن الرئيس عون سيحاول من خلال الحوار الاقتصادي الوصول إلى قواسم مشتركة واستنتاجات في ما خص الملفين المعروضين للبحث. وأشارت إلى أن شعور الرئيس بوجود تناقض بين الفرقاء اللبنانيين حولهما، والتخوف أملى قيام اضطرابات اجتماعية في حال تطور هذا التناقض، أمل عليه هذه الدعوة خصوصا أنه التقى مؤيدين ومعارضين للسلسلة والضرائب وكان أمام خيارين اما التوقيع عليها وهو ما سيغضب كثيرين أو ردها، وهو ما يغضب أيضا فئات كثيرة، وأتى قرار الحوار بين هذين الفريقين المتناقضين للوصول إلى خلاصة معينة.
بري يعتذر عن المشاركة
ونقل زوار الرئيس نبيه بري عنه انه اعتذر عن المشاركة شخصياً في اجتماع الاثنين، وقالوا انه ينتظر موقف رئيس الجمهورية من قانون السلسلة ان كان بالتوقيع على القانون ام رده”.
وفيما علمت “الديار” ان الرئيس عون اتصل بالرئيس بري ووضعه في اجواء الدعوة، لم يكشف ما اذا كان عون قد وجه الدعوة لبري لحضور الحوار، في حين أكدت معلومات “اللواء” ان خطوة الرئيس عون جاءت بالتفاهم مع الرئيس برّي، عبر الزيارة التي قام بها وزير المال علي حسن خليل إلى قصر بعبدا، قبل توجيه الدعوة للحوار.
وفي المواقف من الدعوة قال النائب آلان عون لـ”الجمهورية” إنّ رئيس الجمهورية “بعدما استمعَ إلى كلّ الاعتراضات والأفكار من كلّ جهة على حِدة، يسعى من خلال هذه المبادرة إلى جمعِ كلّ الجهات المعنية من وزارات وهيئات اقتصادية واتّحاد عمّالي عام إضافةً إلى حاكم مصرف لبنان، في نقاش مشترك بغية التوصّلِ الى توافق حول التعديلات التي يجب إجراؤها على قانَوني السلسلة والإيرادات.
ورأى مصدر كتائبي مسؤول في دعوة عون إلى الحوار “إدانةً سياسية مباشرة للكتل النيابية التي صوَّتت على الضرائب عشوائياً بعيداً من المعايير العلمية والاقتصادية والمالية والاجتماعية الواجب أخذُها في الاعتبار”. وقال لـ”الجمهورية”: “إنّ الخطوة الحوارية الجديدة تعكس التخبّط الذي تعاني منه المؤسسات الدستورية في ظلّ شلِّ عملِها وتحويلها معابرَ لتهريب التنفيعات من تلزيمات وتعيينات.