

لم تقتصر على لبنان قائمةُ المعترضين على القانون السوري رقم 10 المتعلق بإثبات السوريين لممتلكاتهم تحت طائلة مصادرتها، لا بل توسعت القائمة وضمّت دولاً أوروبية ومنظمات حقوقية نظرت بريبة واستغراب إلى توقيت القانون ومضمونه، كمنظمة “هيومن رايتس ووتش” التي رأت فيه تهديداً بالإخلاء القسري. الضغوط الدولية أثمرت تعديل النظام السوري للقانون، وتمديد الفترة الزمنية المتاحة للمدنيين لإثبات ملكيتهم من شهر لغاية سنة. هل إطالة الفترة الزمنية أزال هواجس لبنان والمجتمع الدولي من تهديد أملاك اللاجئين وإبقائهم حيث هم؟
إشكاليات عديدة ما زالت تحيط بالقانون رقم 10 على رغم تمديد المهلة، وتوسيع مروحة الأقارب الذين يمنحهم القانون إمكان إبراز الوثائق، أبرز هذه الإشكاليات تكمن في توقيت صدوره في ظلّ غياب المعنيين به وتشتّتهم في أصقاع الأرض، وهم فئة المواطنين السوريين المهجّرين خارج بلدهم من جرّاء الحرب.
وما يضاعف خطورة القانون أنّ أعداداً مليونية منهم غير قادرة على الإنتقال إلى سوريا وتوفير الوثائق والمستندات المطلوبة لإثبات الملكية، فبعضهم مطلوب لخدمة العلم والبعض الآخر ملاحق من السلطات الأمنية، وهؤلاء يخشون إلقاء القبض عليه فور وصولهم لغرض تقديم الوثائق، كما أنّ قسماً كبيراً من اللاجئين أضاع أوراق الملكية في ظروف الحرب. ونظراً إلى هذه الإشكاليات اعتبر عدد من الحقوقيّن عبر العالم أنّ القانون يتنافى وحقوق الإنسان وقوانين الملكية الخاصة، كما أنّه صدر في زمن الحرب وبغياب أيّ أفق سياسي أو زمني لتلك الحرب.
بالنسبة إلى لبنان يتضاعف الخوف من أن يشكل القانون المريب عذراً للتوطين، لا سيّما وأنّ هذا البلد المجاور لسوريا يستضيف مليون ونصف مليون نازح سوري تضيق بهم جغرافيا بلد الأرز وديمغرافيته واقتصاده. وبرأي النائب السابق غسان مخيبر هاجس اللبنانيين محقّ بدليل أنّ الدولة وللمرة الأولى تجد نفسها في مواجهة حقيقية على عدّة جبهات، النظام السوري والأمم المتحدة ودول العالم الأوروبي والغربي الذين يقدّمون مصالحهم على مصالح لبنان، مما يؤدي إلى مخاوف محقّة من أنّ يكون بقاء السوريين في لبنان طويلاً جداً. كما أنّ مهلة السنة الواردة في القانون غير كافية، والأمر بحاجة إلى جهاز لوجستي وإداري كبير ليتمكن من تأمين حسن تطبيق أحكام القانون، والأمر يبدو مستحيلاً في ظلّ الظروف الحالية.
وزير الخارجية السوري وليد المعلم بعت برسالة إلى نظيره اللبناني جبران باسيل عبر السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي، ضمّنها تطمينات من أنّ النظام السوري لا يهدف من خلال القانون رقم 10 لإبقاء النازحين في لبنان، وأنّ تمديد المهلة يأتي في سياق تهدئة المخاوف، إلاّ أنّ تطمينات المعلم غير كافية، لا بل تعاظمت الهواجس بدليل ذهاب باسيل إلى حدّ الإشتباك مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين واتهامها بتخويف النازحين من العودة. وبرأي مخيبر “الخطوة الأولى الفعّالة لرفض التوطين وإقناع المجتمع الدولي بوجهة نظرنا تكمن بمقاربة حكومية موحّدة حيال ملف النزوح ، والكفّ عن تقديم أنفسنا كفريقين متنازعين ، والعمل على وضع استراتيجية وطنية وخطة عمل لتحقيق عودة النازحين إلى المناطق الآمنة وليس بالضرورة مناطقهم الأصلية، من دون انتظار الحل السياسي في سوريا”.
الخطوة التالية بعد التفاهم اللبناني وفق مقاربة مخيبر تكمن بالتنسيق والتواصل مع الجهات المعنية بعودة النازحين، “من هنا لا بدّ من التنسيق مع الحكومة السورية والأمم المتحدة والجهات المانحة، لكي تأتي السياسات الخارجية متطابقة مع السياسة اللبنانية، لا سيّما وأنّ العودة تحتاج مجموعة حوافز قانونية وإدارية ومالية ، في حين أنّ العالم يقدّم في الوقت الحالي حوافز معاكسة لبقاء السوريين في لبنان”.
يبقى أنّ لبنان غير موقّع على اتفاقية اللاجئين عام 1951 ولا على بروتوكولها عام 1967، وبالتالي غير ملزم من الناحية القانونية على القبول بمبدأ العودة الطوعية التي تنصّ عليها الإتفاقية، ومتحرر من أيّ إلتزامات تفرضها الإتفاقيتان حيال النازحين، ولكنّه ملزم بالأعراف والتشريعات الدولية، والعودة الآمنة التي يطرحها رئيس الجمهورية تحتاج إلى توافق لبناني غير متوافر، وكل ما نسمعه لا يعدو كونه سياسات ومقاربات خاطئة لن تؤدي إلى إعادة النازحين إلى بلدهم، بل ستضاعف منسوب الإشتباك المحلي.
لبنان24