جريدة الأخبار تكشف دور المشنوق في تحرير سعد الحريري!


فيما لا تزال القصة الكاملة لاحتجاز الرئيس سعد الحريري في الرياض مخفية القطب، تفرّدت جريدة “الأخبار” اللبنانية في عددها الأخير وتزامناً مع الذكرى الأولى للاستقالة القسرية في نشر ملف كشفت فيه بعض خيوط تلك الأزمة التي بدأت من الأحداث التي سبقت “ليلة الخطف” وتتابعت وصولاً إلى التحركات التي واكبتها والخلية اللبنانية التي شرّعت اتصالاتها عربياً وإقليمياً لفك “أسر” رئيس الحكومة المحتجز.

الفريق الذي عمل على تحرير رئيس الحكومة اللبناني من سجنه السعودي، تألف بحسب وقائع “الأخبار” من نادر الحريري، وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، وزير الثقافة غطاس خوري والنائب السابق باسم السبع”، يضاف إليهم “المستشار الإعلامي هاني حمود، اللواء عماد عثمان والعقيد خالد حمود”.
بعيداً عن الإعلام عملت الخلية التي أطلق عليها اسم «خلية وادي أبو جميل» نسبة إلى المنزل الذي كانت تُدار به بوصلة التحركات وهو منزل الرئيس سعد الحريري الواقع في منطقة وادي أبو جميل في وسط بيروت، وكان عمل هذه الخلية سرّياً ويتم على مستويين، الاوّل داخلي عبر التواصل مع مختلف القوى السياسية اللبنانية ولاسيما رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه برّي، والثناي خارجي عبر التواصل مع غالبية السفراء المعتمدين في لبنان.

الصمت الإعلامي لهذه الخلية التي نشطت وعملت في الخفاء لفك احتجاز الرئيس الحريري لم يخترقه إلاّ صوت وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي واجه الخطة التي وضعها مستشارون سعوديون والتي تهدف لتمثيل الحريرية السياسية ببهاء الحريري عوضاً عن سعد الذي تمّ إرغامه على الاستقالة في سعي من السعودية لإسقاط الصفة الديبلوماسية عنه ومحاكمته كمواطن.
من عقر دار الفتوى اللبنانية وجّه المشنوق رسالة شديدة لهجة إلى المملكة العربية السعودية مؤكداً أنّ “اللبنانيين ليسوا قطيع غنم ولا قطعة أرض تنتقل ملكيتها من شخص إلى آخر”، ومعلناً أنّ “لبنان تحكمه انتخابات لا مبايعات وأنّ الكلام عن تعيين بهاء الحريري رئيساً للحكومة، دليل على جهلٍ بطبيعة لبنان وطبيعة السياسة فيه”. موقف المشنوق هذا لم ينطلق عبثاً من باحة دار الفتوى وهي الصرح الذي يمثل السنة في لبنان، فالوزير أراد بكلمته هذه من مكانه هذا الإيحاء بما لا يقبل النقض أنّ موقفه هو موقف سنّة لبنان وموقف ممثلهم سماحة مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان.

بعيداً عن هذا الموقف كان لوزير الداخلية والبلديات سلسلة تحركات تهدف لتأطير أزمة الحريري مع السعودية ولتخطيها، فمتابعة المشنوق للأزمة بدأت منذ اللحظة للاستقالة، فهو بنفسه قد نقّح البيان الذي صدر عن قوى الأمن الداخلي في اليوم الأوّل للاستقالة والذي نفى وجود أيّ مخطط لاغتيال الرئيس الحريري في بيروت، ناسفاً بذلك الادعاءات التي أوردتها السعودية في خطاب الاستقالة.
المشنوق أيضاً كان من بين الدائرة الضيقة التي وصلها مضامين اتصال زوجة الرئيس الحريري السيدة لارا العظم بعائلته وتأكيدها أنّ زوجها محتجز في فيلا ملحقة بمجمّع الريتز كارلتون في الرياض وأنّه قد سمح لها مترين بزيارته، هذه المعلومات لم يطلع عليها إلا عدد محدود من الأشخاص.

الوقوف بوجه السعودية والقول أنّ اللبنانيين ليسوا غنماً ليس التحرّك الأوّل لوزير الداخلية والبلديات على المستوى السياسي والديبلوماسي، التمايز في هذا الموقف هو الإعلان عنه، فالمشنوق كان قد سافر قبل ذلك الخطاب بعدة أيام إلى القاهرة حيث التقى بمسؤولين في وزارة الخارجية، وفي الاستخبارات. وهناك كان الجميع على يقين من أن الحريري مخطوف، وعلى دراية كاملة بظروف «إقامته الجبرية» في الرياض.

لماذا لم تتأثر علاقة السعودية بوزير الداخلية نهاد المشنوق؟
في مراجعة لمرحلة عودة الحريري إلى لبنان والتريث في الاستقالة ثم التراجع عنها، يلاحظ أنّ علاقة الوزير نهاد المشنوق مع المملكة العربية السعودية قد مرّت بمرحلة من الفتور، إلا أنّ هذه المرحلة سرعان ما تبددت وظهر هذا الموقف بشكل علني بعد ما دخل القائم بأعمال السعودية الوزير المفوض وليد البخاري كتفاً إلى كتف مع الوزير نهاد المشنوق إلى ملتقى “فنجان قهوة 2” في برمانا، وذلك في مفاجأة من البخاري للناشطين والإعلاميين الذين دعتهم السفارة للمشاركة في هذا اللقاء. اختيار الوزير السعودي للمشنوق دون وجوه أخرى في تيار المستقبل لهذه المناسبة ليس تفصيلاً، إذ تلا هذا اللقاء زيارة المشنوق إلى السعودية واستقباله الذي توقفت عنده وسائل الإعلام واللقاءات التي عقدها وصولاً إلى تأديته مناسك العمرة بمرافقة ملكية.
في هذا السياق تردد بعض الأوساط المتابعة أنّ السعودية ترى في المشنوق “ثعلباً” في السياسة، فالوزير المشنوق حينما خاطب السعودية قائلاً لهم أنّ اللبنانيين ليسوا غنيماً، أراد من ذلك إرسال رسالة تحذير لا تهديد، ونقل الخطاب الشعبي والصوت السنّي وهذا ما قرأته السعودية لاحقاً إن في استقبال الحريري والتفاف اللبنانيين حوله أو في الانتقادات التي أطلقها الجو المؤيد للمملكة في لبنان سواء إعلامياً أم على منصات مواقع التواصل، هذا الصوت الذي كان مندداً باحتجاز رئيس الحكومة ورافضاً لأي وصاية تعيد نظام المبايعة إلى لبنان، هو ما قاله المشنوق بالحرف الواحد بعيداً عن المراوغة وعن سياسة اللف والدوران!

ميديا البلد