ليس جديدًا على حاضرة الفاتيكان أن يكون لديها أكثر مما يمكن تسميته مبادرة تجاه لبنان بما يعنيه لها هذا البلد النموذجي، والذي يكاد يكون الفريد من نوعه في طريقة عيش مسيحييه مع مسلميه، وإن تخللته إشكاليات كانت تسقط أمام إرادة اللبنانيين بالعيش معًا تحت سماء واحدة، وفي ظل دستور يراعي مصالح جميع أبناء الوطن الواحد بالتساوي بالحقوق والواجبات والولاء المطلق له، إضافة إلى ما يشكّله مسيحيو لبنان بالنسبة إلى البابا فرنسيس كما كانت الحال مع البابوات، الذين توالوا على السدّة البطرسية منذ إعلان لبنان الكبير، كدور في هذه المنطقة من العالم. وقد اختصر هذا الدور البابا القديس يوحنا بولس الثاني عندما وصفه بـ “الرسالة”، إذا لم يُعطَ هذا الوصف لأي بلد في العالم، وهو وصف يمكن القول عنه بأنه موحىً به من الروح القدس، خصوصًا أن فيه قديسين لم يفرّقوا في أعاجيبهم الشفائية بين من ينتمون إلى هذه الطائفة أو تلك.
ولأن للبنان هذا الدور – الرسالة بما يعنيه في سلم القيم المسيحية فإن الكرسي الرسولي يولي هذا البلد كل هذا الاهتمام، وبالأخصّ في هذه الظروف القاسية، التي يعيشها جميع اللبنانيين وليس المسيحيين منهم فقط، مع ما تعنيه له أهمية بقائهم في أرضهم وعدم استسهال ترك بلاد الأباء والأجداد، الذين عانوا الكثير من الاضطهادات والصعوبات على مرّ التاريخ، لكنهم بقوا ثابتين في أرضهم وراسخين فيها.
فاهتمام الفاتيكان بلبنان من زاويته المسيحية هو اهتمام مختلف عن أي اهتمام آخر، باعتبار أن لا مصالح شخصية تربط عاصمة الكثلكة بهذا البلد – الرسالة. فهي حريصة على أن يبقى لبنان كما هو بتركيبته الحالية، وإن كانت في حاجة إلى تطوير وتحديث، لكي تؤدّي أدوارها كاملة، وأن حياد لبنان عن مشاكل الآخرين، والذي يدعو إليه بطريرك الموارنة مار بشاره بطرس الراعي، لا يعني بالضرورة انسلاخ لبنان عن محيطه، وهو جزء مكمّل له ومتكامل معه، ولا يعني أيضًا بالضرورة تأييد فكرة الفدرلة، لأنه يفقد عندها دوره الحضاري، ولا يعود ذاك النموذج، الذي يدعو إليه خليفة بطرس البابا فرنسيس كما فعل البابوات، الذين تولوا مسؤولية الكنيسة الجامعة الموحَدة والموحِدة.
ولهذا السبب ولغيره من الأسباب ينضم الفاتيكان، بدءاً من اليوم الأحد إلى الجهود التي تبذل لتشكيل حماية دولية ضاغطة لمنع اسرائيل من أي مغامرة ضد لبنان، وللحض على انجاز الاستحقاق الرئاسي، بما يعنيه موقع رئاسة الجمهورية من رمزية لوحدة لبنان واللبنانيين، وكونه الرئيس المسيحي الوحيد ضمن مجموعة دول الجامعة العربية، بما يعنيه هذا الأمر بالنسبة إلى العرب أولًا، وبالنسبة إلى الفاتيكان ودول العالم الغربي ثانيًا.
فالفاتيكان بما لديه من قوة تأثير دولي من خلال علاقاته الطيبة مع كل الدول المهتمة بالوضع في المنطقة، وبالأخصّ في لبنان في ضوء ما يتعرّض له من تهديدات كيانية، سيكون له موقف حازم وحاسم. وقد تكون كلمته أقوى فعلًا من المدفع والأساطيل، والبوارج، والطائرات، والمسيّرات.
وبحسب ما هو معروف ومتعارف عليه فإن محور لقاءاته ستركّز على ما تعنيه صيغة العيش الواحد بين اللبنانيين من أهمية بالنسبة إلى الفاتيكان، فضلاً عن إنهاء الشغور الرئاسي، والسعي إلى ضمان الاستقرار في الجنوب، والحفاظ على الاستقرار الامني والمعيشي للبنانيين.
ووفق بعض المعلومات من داخل كواليس الديبلوماسية البابوية فإن الزائر الفاتيكاني سيكون له موقف واضح وجلي بالنسبة إلى الخلافات المسيحية – المسيحية، والتي تؤثّر في شكل أساسي على عدم توافق المسيحيين على رؤية موحدة، من دون أن يعني ذلك التخّلي عن الحياة الديمقراطية، التي تميز المجتمع المسيحي، وأن يكن مفهوم التنافس السياسي من وجهة نظر الفاتيكان مختلفًا بما نسبته 180 درجة عن مفهوم كل من “معراب” و”ميرنا الشالوحي”.
ولا يُخفى أن ما سيتطرق إليه الكاردينال الزائر مع رؤساء الطوائف المسيحية، وبالأخص مع البطريرك الراعي، لناحية سلوكيات بعض رجال الدين، التي تتعارض بطريقة عيشهم مع أبسط تعاليم الانجيل، مع تحميل رؤساء الطوائف التسلسليين مسؤولية التغاضي عن اتخاذ الإجراءات الكفيلة بوضع الأمور في نصابها الصحيح، خصوصًا أن لدى الفاتيكان من معلومات وتقارير عن كيفية إدارة شؤون الرهبانيات والجمعية الرسولية والمدارس والجامعات والمستشفيات الكاثوليكية ما يندى له الجبين.
المصدر: “لبنان24”