يتوقف أحد مستشاري رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عند ما يبذله من جهود لم يسبقه إليها أي مسؤول آخر في محاولة حثيثة منه لإنقاذ ما يمكن وما يجب إنقاذه من وطن يؤمن بأنه قادر على النهوض من جديد من تحت الردم. ويقول له بصراحته المعهودة بأن ما يقوم به سيُلاقى بجحود ما بعده جحود. لكن الجواب هو ذاته أتاه بالأمس ويأتيه اليوم وسيأتيه غدًا: إني أعمل ما يرضي ربي وضميري. لا أستطيع أن أرى بلدي ينهار أمام عيني وأقف متفرجًا أو مكتوف اليدين. أعرف أن ما أقوم به ليس وجاهة، بل محرقة أصابع. وأعرف أيضًا طباع الناس، الذين لا يعجبهم العجب حتى الصيام برجب. وعلى رغم كل ذلك أتحمّل وأصبر لأنني آليت على نفسي عدم ترك السفينة تغرق حتى ولو بقيت وحدي ممسكًا بالمجذاف في الوقت الذي تخّلى فيه معظم الذين يدّعون حرصهم على الوطن عن مسؤولياتهم، وتركوا السفينة تتلاعب بها الأمواج من كل حدب وصوب.
كان من السهل على نجيب ميقاتي أن يفعل ما فعله الآخرون، وكل على طريقته. لكنه لم يفعل. بل زاده هذا الأمر إصرارًا على مواصلة العمل، وعلى القيام تجاه وطنه وشعبه بما يرضي ربه وضميره وواجبه كمحارب لم يرمِ سلاحه في ساحة القتال والجهاد. فما أسهل على المرء ألاّ يعمل شيئًا لاعتقاده أنه إن لم يعمل لن يخطئ ولا يُلام فيما وقوع الذي يعمل كثيرًا في الخطأ احتمال وارد.
فمنذ اليوم الأول لتلقفه كرة نار المسؤولية رأى نفسه في مواجهة مفتوحة مع ذهنية مغايرة لما يؤمن به لجهة إدارة البلد وتحمّل المسؤولية. ولأنه قرّر عدم مجاراة هذه الذهنية في نهجها التدميري وُضعت العصي في دواليب الحكومة التي ترأسها في عهد الرئيس ميشال عون، وهو لا يزال يتلقى بصدره السهام تلو السهام. صحيح أن فورات غضب وقرف انتابته، لكنه لم يستسلم ولم يرفع العشرة، بل كان بعد كل تجربة ومحنة أقوى وأصلب من ذي قبل.
يقول المقرّبون منه إنه لا يهدأ لا ليلًا ولا نهارًا. يتابع أدّق التفاصيل حتى الممّل منها. لا يتعب وإن تعب من معه. يلاحق كل شاردة وواردة. لا يترك أي تفصيل يفوته. يعقد الاجتماعات، الواحد تلو الآخر؛ منها ما له علاقة بمعالجات يومية، ومنها ما له صلة مباشرة بما يحصل في غزة من مجازر تنعكس بسلبياتها على الداخل اللبناني من بوابته الجنوبية.
صحيح أن معظم اهتماماته منصّبة على عدم توسعة الحرب على رغم ارتفاع منسوب القلق على الوضع الامني في الجنوب والتهديد بشن إسرائيل حرباً على لبنان، لكن للوضع الداخلي حيزًّا واسعًا من اهتماماته، بدءًا من أكبر مشكلة، وهي الأزمة الرئاسية، إلى أصغر مشكلة تتعلق بحياة الناس اليومية، فضلًا عن المشاكل الطارئة التي تواجهه مع طلعة كل شمس، ومن بينها مؤخرًا أزمتا الكهرباء والتطويع في المدرسة الحربية، وهما مشكلتان تحتاجان إلى قرار عاجل على مستوى مجلس الوزراء باعتبارهما مشكلتين لا تحتملان التأجيل والتسويف، خصوصًا أن يدًا واحدة لا تستطيع التصفيق.
فهو يتابع باهتمام الوضع الاقتصادي، لجهة ارتفاع اسعار المواد الغذائية والاستشفائية والاقساط المدرسية والجامعية، ولا ينفك يدعو الوزراء المعنيين إلى متابعة الموضوع لإيجاد توازن معقول بين القدرة الاقتصادية للمواطنين وكلفة تأمين هذه الخدمات والحفاظ على النوعية، فضلًا عن انكبابه مع فريق اداري ومالي على دراسة موضوع تصحيح الرواتب والاجور في القطاع العام.
وعلى رغم الوضع المتوتر جنوبًا فإن العمل متواصل لانتظام حركة الحياة في لبنان، على مستوى الاصرار لإنجاح موسم الصيف وتعزيز الاستثمار السياحي والنضال اقتصاديًا. ويبقى شغله الشاغل كيفية معالجة أزمة النازحين السوريين، من خلال تطبيق تدريجي للخطة “باء”، والتي ستبدأ نتائجها بالظهور على التوالي.
فالرجل “يحارب” على أكثر من جبهة، وهو لا يملك سوى ما يكفي من ارادة وتصميم على إيصال السفينة إلى برّ الأمان بأقل أضرار ممكنة، على أمل انعكاس أي تسوية في الشأن الغزاوي انفراجًا داخليًا انطلاقًا من التزام “حزب الله” بوقف إطلاق النار بالتزامن مع وقف النار في غزة، وهذا ما أعلنه أمينه العام السيد حسن نصرالله، للانتقال بعد ذلك إلى مرحلة متقدمة في الاستحقاق الرئاسي، الذي يُعتبر المدخل الطبيعي لعودة الحياة إلى دورتها الطبيعية في مسيرة النهوض الاقتصادي.
المصدر: “لبنان 24”