لم يدم انحسار المواجهات العنيفة في الجنوب طويلا،اذ عادت إسرائيل أمس إلى تكثيف عمليات استهداف واغتيال مقاتلين وكوادر وعناصر في صفوف “حزب الله” كما في صفوف “الجماعة الإسلامية”، فيما اكتسب رد الحزب طابع رفع وتيرة القصف الصاروخي واستخدام صواريخ ثقيلة.
ومع أن جولة العنف الأخيرة لا تكتسب أي دلالات خاصة وتاتي امتداداً للمناخ المشدود الذي يسبق زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لواشنطن،فإن المخاوف لم تتراجع بإزاء الشحن الخطير الذي يواكب المواجهات الميدانية واستعار السباق الحاد بين التصعيد الميداني والجهود الديبلوماسية لمنع اشتعال حرب كبيرة.
ولكن اللافت في الأمر أن واشنطن وقبيل استقبالها نتنياهو مضت في الضغط لمنع اتساع التصعيد واستبعدت الحرب الشاملة، إذ أعلن البيت الأبيض أنه لا يرى أي مؤشرات على حرب شاملة على حدود لبنان وإسرائيل، وفق ما كتبت” النهار”.
وجاء في ” اللواء”: لاحظت مصادر لبنانية واسعة الاطلاع ان رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو، الذي ابلغ جنوده في رفح امس المضي بالحرب، يحمل في جعبته خطة لتوجيه ضربة للبنان، بصرف النظر عن مسار المواجهة في غزة، ومصير الصفقة المتعلقة بالهدنة وتبادل الاسرى بين دولة الاحتلال وحركة حماس.
واذا كانت زيارة نتنياهو في نظر المصادر ذات تأثير مباشر على مسار الحرب، في اللحظة الانتخابية الاميركية، فإن ما بعد 22 تموز الجاري (يوم الاثنين المقبل) يقتضي رصده، لمعرفة طبيعة المناورات الاسرائيلية المقبلة.
وفي اطار المزايدة، وتسجيل الحضور التهديدي للاسرائيليين، نقل عن وزير الدفاع يوآف غالانت قوله: سنصل قريباً الى مفترق طرق، إما أن نعيد سكان الشمال بتسوية، وإما بعملية حرب عملياتية».
ووفق معلومات «البناء» فإن وتيرة الاتصالات والجهود الدوليّة تكثفت لمحاولة تجنّب توسيع دائرة الحرب على الحدود الجنوبية في المدة الفاصلة عن التوصل الى هدنة في غزة. لكن مصادر دبلوماسية حذرت من حماقة ترتكبها حكومة نتنياهو بضرب أهداف جديدة في عمق الجنوب والبقاع لخلط الأوراق في المنطقة والضغط على الإدارة الأميركية وللخروج من المأزق الصعب الذي يواجهه نتنياهو.
إلا أن خبراء في الشؤون العسكرية يستبعدون احتمال الحرب الشاملة بين حزب الله و«إسرائيل» في ظل معادلات الردع التي تطبقها المقاومة عملياً في الميدان والوضع الصعب الذي يواجههه الجيش الإسرائيلي على كافة الصعد، خصوصاً التقارير التي تكشفها الصحف الأميركية والغربية والإسرائيلية عن حال الجيش الإسرائيلي. ويشير الخبراء لـ«البناء» الى ان الظروف الدولية والحسابات في الولايات المتحدة الأميركية ليست مؤاتية لشن عدوان شامل على لبنان.
وكان الوضع الميداني، اتسم أمس بكثافة عمليات الاستهداف التي قامت بها المسيّرات الإسرائيلية إذ قتل بنتيجتها القيادي في “الجماعة الإسلامية” أبو محمود محمد جبارة جراء غارة في منطقة غزة في البقاع الغربي. وكانت مسيّرة إسرائيلية، أغارت على سيارة جبارة على طريق البلدة، ما أدّى إلى اشتعالها. واستهدفت غارة اسرائيلية أخرى منطقة مفتوحة في الجبل فوق بلدة عين التينة في البقاع الغربي. وفي موازاة ذلك على الجبهة الجنوبية أغار الطيران المسيّر الاسرائيلي على سيارة رابيد في بلدة جبال البطم في قضاء صور واستهدف عنصراً من “حزب الله” هو حسن علي مهنا “أبو هادي” من بلدة جبال البطم الذي نعاه الحزب.
وتزامنت هذه التطورات مع إعلان الشرطة الإسبانية أمس أنها اعتقلت أربعة مشتبهاً بهم، ثلاثة في إسبانيا وواحد في ألمانيا، في إطار تحقيق في بيع أجزاء من طائرات مسيّرة لـ”حزب الله”. وأضافت الشرطة أن التحقيق بدأ في إسبانيا، حيث رصدت الشرطة شركات إسبانية يملكها مواطنون لبنانيون المولد تتاجر بكميات كبيرة من أجزاء ومكونات طائرات عسكرية مسيّرة قادرة على حمل متفجرات.
وقالت الشرطة الإسبانية في بيان إنه استناداً إلى تحليل الوثائق التي توضح بالتفصيل تجارة مكوّنات الطائرات داخل أوروبا، فمن الممكن أن يكون “حزب الله” قد قام بتجميع مئات أو حتى آلاف الطائرات المسيّرة باستخدام أجزاء تلك الطائرات. وأوضحت الشرطة أن الطائرات الخفيفة، التي يصعب رصدها وإيقافها، كانت محملة بمتفجرات يصل وزنها إلى كيلو غرامات عدة ويتم إرسالها إلى داخل إسرائيل. وقال البيان إن بقايا الطائرات المسيرة التي يطلقها “حزب الله” والتي عثر عليها في إسرائيل تتطابق مع نوع المكونات التي صادرتها الشرطة في إسبانيا وألمانيا.
وكتبت” الاخبار”: كان لافتا نفي الامبن العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وجود اتفاق على ترتيب الوضع في الجنوب، ناسفاً كل الكلام عن اتفاق إطار كما يروّج المبعوث الأميركي عاموس هوكشتين.
وهو ما وجدت فيه مصادر بارزة «إفراغاً لكل التسريبات الأميركية والغربية من مضامينها، خاصة تلكَ التي تتحدث عن اتفاقات منجزة مع الرئيس نبيه بري». وكان نصرالله واضحاً، بأنه لا مجال لإعطاء أحد أي ورقة قبل انتهاء الحرب، مع التذكير بأن الجملة الوحيدة التي سمعها هوكشتين من المسؤولين الرسميين أن «لا كلام عن اتفاقات قبل انتهاء الحرب في غزة»، رغمَ محاولة هوكشتين الاستفسار في أكثر من مرة عما يُمكن أن يرضى به الحزب أو يرفضه.
ويرتبط كلام نصرالله بحسب المصادر بالتطورات الحاصلة في الولايات المتحدة الأميركية على صعيد الانتخابات الأميركية، وبالتالي تعلم المقاومة أن أي اتفاقات حالية قد تُنسف في حال تغيير الإدارة الحالية، خاصة أن رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو يسعى إلى إطالة أمد الحرب حتى موعد الانتخابات. والنقطة الأهم في هذا السياق، وفقَ ما تشير المصادر هو القول بأن الدولة اللبنانية هي المخوّلة بالتفاوض كما حصل خلال مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، وقد تعمّد نصرالله هذا الأمر لإيصال رسالة بأن «التفاوض يرتبط حصراً بالجبهة ولا ينسحب على أي ملفات أخرى، وبالتالي فإن كل الجميع أن يتوقف عن ربط الملفات ببعضها، لأن الحزب غير معنيّ بالحديث عن أي مقايضة أو تسوية سياسية ربطاً بملف الجنوب».