الدولة بمؤسساتها الإدارية والمالية والعسكرية والقضائية خاوية أو تكاد. فلا رئيسًا للجمهورية، ولا حكومة تُترك تعمل لتسيير ما تيسّر من شؤون الناس، خصوصًا أن حاجاتهم كثيرة؛ ولا مجلسًا نيابيًا لا يحقّ له دستوريًا أن يشرّع لأنه هيئة انتخابية. وهذا الأمر محّل جدل سياسي لن ينتهي قبل أن يتمّ انتخاب رئيس جديد للجمهورية؛ ولا مؤسسات مالية منتظم عملها بعد الضجة التي أثيرت عقب الشائعة عن احتمال تقديم وزير المالية يوسف خليل استقالته لأسباب صحية وأخرى لها علاقة بما أصابه من قرف؛ وقد لا يكون وضع المؤسسات العسكرية أفضل حالٍ من المؤسسات المدنية من إدارية وتربوية وكل إدارة موكلة إليها مهمة الاهتمام بشؤون الناس الحياتية بدءًا من وزارة الاقتصاد مرورًا بوزارة الصناعة وصولًا إلى وزارة الزراعة ووزارة الطاقة، وما يتفرع عن كل هذه الوزارات من مشاكل لا عدّ لها ولا إحصاء، خصوصًا أن حاجة هؤلاء الناس إلى الأمن الاجتماعي يتزايد يومًا بعد يوم بفعل الضغط، الذي يتعرّضون له عند كل استحقاق وعند كل منعطف.
ولأن حاجة الناس إلى أدنى مقومات الصمود كثيرة وملحّة وضرورية ولا تحتمل التأجيل والتسويف والترقيع فإن الحاجة إلى ملء الشواغر تبدو أكثر من ضرورة في هذه الظروف العصيبة، التي يمر بها الوطن وأبناؤه المصرّون على ألا يفقدوا الأمل على رغم ما يعترضهم من صعوبات ومشقات وعثرات.
وإذا كان جميع الأفرقاء السياسيين يقرّون ويعترفون بأن البلاد “مكربجة” بفعل عدم توافقهم على أن يكون لديهم رئيس للجمهورية فلماذا لا يبادرون إلى تحقيق ولو خطوة إنقاذية صغيرة، إذ ليس المطلوب بطولات غير متوافرة لها ظروف النجاح في الوقت الراهن، لأن فاقد الشيء لا يعطيه. فنواب الأمة المعطّلة ارادتهم بدرجات متفاوتة غير قادرين على أن يجلسوا جنبًا إلى جنب ليبحثوا عن الطريقة الفضلى لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان. فالحوار الذي يدعو إليه الرئيس نبيه بري كشرط أساسي لفتح أبواب المجلس النيابي غير محقّق بفعل إصرار نواب “المعارضة” على تطبيق الدستور بحرفيته من دون زيادة حتى فاصلة واحدة على المواد، التي تحدّد آلية انتخاب رئيس للجمهورية، مع رفضها تكريس أعراف قد تصبح أقوى من الدستور والقوانين، مع ترحيبها بأي مشاورات خلال انعقاد الجلسات الانتخابية.
ولأن “المعارضة” ترفض حوار الرئيس بري فإن أي لقاء ثنائي بين نواب “الممانعة” ونواب الضفة الأخرى لن يحصل، وإن حصل، فلأجل الشكليات والصور فقط. وهذا ما كان يحصل في اللقاءات الحوارية في قصر بعبدا أو في عين التينة. وهذا ما يؤسف عليه، وإن كان الأسف لا يفيد في هكذا ظروف، التي تتطلب إرادة جامعة لتدبير شؤون البيت الداخلي قبل أن ينهار سقفه المتهالك على رؤوس الجميع.
فالبلاد تعيش في الفراغ النصفي أو إذا صح التعبير في حال من الشلل النصفي. وإذا لم يُملأ الفراغ الرئاسي فإن الشلل سيتمدّد شيئًا فشيئًا إلى سائر المواقع الحسّاسة، سواء في قيادة الجيش، إذ أن التمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون لسنة جديدة يبدو أصعب بكثير من المرّة السابقة لأسباب كثيرة، ومن بينها عدم التوافق بين “المعارضة” والرئيس بري، أو في المديرية العامة للأمن العام، أو في حاكمية مصرف لبنان بعد أن تنتهي ولاية الحاكم الحالي وسيم منصوري، الذي يتولى مسؤولية الحاكم بالإنابة، أو في المجلس العسكري، أو في مجلس القضاء الأعلى، أو على مستوى المديريات العامة في أكثر من وزارة.
ومتى ما وقع الشلل التام فإن المعالجة بالتداوي بالأعشاب والمسكنات لا تعود تنفع بشيء، لأن الشفاء في مثل هذه الحال المتفاقمة يصبح أمرًا ميؤوسًا منه. ونسأل مع السائلين، وإن كنا متأكدين من أن الجواب لن يأتينا لا اليوم ولا غدًا ولا بعده: لمصلحة مَن تُفرّغ الدولة ومؤسساتها؟
المصدر: “لبنان 24”