إذا أردنا إجراء دراسة سيكولوجية للتعاطي النفسي لأي مقاتل أو لأي مواطن عادي مع الحرب حين تندلع نجد أنهم يتأقلمون معها، على رغم قساوتها ومرارتها وبشاعتها، بسهولة أكثر من طريقة تعاطيهم معها قبل بدئها. فالخوف منها قد يبدو بالنسبة إلى البعض أسوأ من الحرب بحدّ ذاتها. فالترّقب الدائم وعمليات الرصد قد تبدو متلفة للأعصاب أكثر بكثير من نتائج الحرب المباشرة وغير المباشرة. وما يُمكن استنتاجه في هذا المجال مسندٌ إلى حقائق ودراسات كثيرة أجراها أكثر من باحث سيكولوجي أو سوسيولجي، وهو أن أجواء ما قبل الحرب لا تشبه ما يحدث خلالها وبعدها.
وتشير هذه الدراسات إلى أن لتأثير عمليات الهدن المتقطعة أثر نفسي سيئ لدى المقاتلين أو المواطنين الذين يكونون مهدّدين بحياتهم نتيجة القصف الذي يتعرّضون له يوميًا. ويؤكد الخبراء العسكريون أن التحضير النفسي للحرب هو أصعب من خوضها. وهذا ما هو حاصل بالنسبة إلى اللبنانيين، الذين ينامون على “خبرية”، ويفيقون على أخرى مناقضة للأولى. فما بين “راح تولع” وبين السعي إلى التهدئة والضغط على إسرائيل لمنعها من ارتكاب المزيد من الحماقات والمجازر في قطاع غزة وفي الجنوب والبقاع، يعيش اللبنانيون كل يوم بيومه على أمل أن يوفق الأميركيون في ما هم إليه ساعون، سواء عبر الاتصالات التي أجراها كل من وزير الخارجية انطوني بلينكن، أو تلك التي قام بها آموس هوكشتاين؛ وكلاهما كانا خلال الساعات الأخيرة حركة دائمة لتلافي أي ردة فعل غير محسوبة النتائج على أثر حادثة مجدل شمس، بعدما تزايدت المخاوف من ضربة إسرائيلية من الجوّ، ضد بنك أهداف منتقاة. ومن مؤشرات هذه المخاوف مستوى الاجتماعات التي عقدت في تل ابيب، منذ عودة نتنياهو السريعة من واشنطن، بهدف توجيه ضربة موجعة لـ “حزب الله”، الذي سبق أن نفى أي علاقة له بحادثة الجولان المحتل.
وإضافة إلى الاتصالات التي قام بها هوكشتاين مع الرئيسَين نبيه بري ونجيب ميقاتي، وبطريقة غير مباشرة بقيادة “حزب الله”، في محاولة لمنع توسعة الحرب مع تصعيد وتيرة التهديدات الإسرائيلية بتوسعتها باتهام الحزب بوقوفه وراء الصاروخ الذي استهدف البلدة السورية المحتلة، قامت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان، جينين هينيس بلاسخارت، بعدّة اتصالات للحؤول دون تدّرج الأمور العسكرية نحو ما هو أسوأ.
في المقابل فإن أكثر من مراقب قريب من “حارة حريك” يؤكد أن “حزب الله” لا يزال ملتزمًا “قواعد الاشتباك”، وأنه يمارس سياسة ضبط النفس تجاه ما يتعرّض له مقاتلوه من استهدافات جوية، وهو ليس في وارد استدراجه من قبل إسرائيل لتوسعة الحرب التي تسعى إليها بأرجلها قبل ايديها. ويُنقل عن الحزب قوله إنه منذ أن قرر مساندة حركة “حماس” في غزة بتصديها للعدوان الإسرائيلي، أخذ على عاتقه عدم التعرض للمدنيين في المستوطنات الإسرائيلية الواقعة على تخوم الحدود اللبنانية، وبالتالي من غير المنطقي القول باستهداف بلدة مجدل شمس المحتلة التي يتمسك أهلها بهويتهم السورية وبانتمائهم العربي ولم يضعفوا أمام الإغراءات التي قدّمها لهم المحتل الإسرائيلي.
وبالتوازي فإن الرئيس ميقاتي ركز في اتصالاته السياسية والديبلوماسية على ضرورة إبعاد شبح أي ضربة إسرائيلية عن لبنان، وتلقى اتصالا من وزير الخارجية البريطاني دايفيد لامي، الذي جدد دعوة جميع الأطراف إلى ضبط النفس منعًا للتصعيد، وإلى حل النزاعات سلميًا وعبر تطبيق القرارات الدولية ذات الصلة.
وتبقى الساعات المقبلة محور ترقّب محلي واقليمي ودولي، وذلك انطلاقًا من قناعة لدى الجميع أن اندلاع الحرب لا تحتاج سوى إلى شرارة. أما اخمادها فيحتاج إلى الكثير من العمل الديبلوماسي.
المصدر: “لبنان 24”