نشر موقع “فورين آفيرز” تقريراً جديداً تحت عنوان “لماذا إسرائيل تُصعد”، وقال فيه إنّ “الحرب التي استمرت 10 أشهر بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة، خرجت منذ فترة طويلة عن نطاقها الجغرافي المحلي، مما أدى إلى تصعيد عسكري خطير في كل أنحاء الشرق الأوسط، خصوصاً عند الحدود الإسرائيلية اللبنانية بالإضافة إلى هجمات جماعة الحوثي اليمنية في البحر الأحمر وعلى تل أبيب، ناهيك عن عمليات الجماعات المتحالفة مع إيران ضد القوات الأميركيّة في العراق وسوريا، فضلاً عن الاشتباكات المباشرة بين إسرائيل وإيران”.
وذكر التقرير الذي ترجمهُ “لبنان24” أنّه خلال الأسبوع الماضي، أعلنت إسرائيل مسؤوليتها عن اغتيال القيادي الكبير في “حزب الله” فؤاد شكر في بيروت رداً على هجوم صاروخي استهداف بلدة مجدل شمس في الجولان السوري، وأضاف: “كذلك، يُفترض أن تكون تل أبيب وراء مقتل اسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وذلك بعملية حصلت في طهران. فعلياً، فإن هذه الضربة المزدوجة جعلت العديد من المراقبين يخشون اندلاع حرب إقليمية أكثر كارثية”.
وأردف التقرير: “ولكن لماذا تصعد إسرائيل الآن على هذا النحو المحفوف بالمخاطر؟ من المؤكد أن هجماتها الأخيرة ليست غير مسبوقة في حد ذاتها. لدى إسرائيل سجل طويل في اغتيال القادة الفلسطينيين، كما قتلت مئات من عناصر حزب الله في لبنان وسوريا. كذلك، أظهرت إسرائيل منذ فترة طويلة قدرات استخباراتية تسمح لها بالتغلغل في عمق إيران، ولم تؤد جولات التصعيد السابقة على مدى الأشهر العشرة الماضية إلى حرب إقليمية شاملة”.
وتابع: “لكن خفض التصعيد والاحتواء في نهاية المطاف أمر غير مضمون على الإطلاق؛ إذ قد تتغلب الأحداث على الأرض فجأة على الحسابات العقلانية لأي دولة والتي تفضل ضبط النفس، مما يؤدي إلى سوء التقدير أو حتى اتخاذ قرارات استراتيجية متعمدة لإثارة صراعٍ أوسع نطاقاً”.
وأضاف: “الواقع أن وتيرة وطبيعة الضربات الإسرائيلية الأخيرة تزيد بشكل كبير من خطر التصعيد الأكثر خطورة، ولا شك أن زعماء إسرائيل يدركون أن اغتيال شكر وهنية المتتاليين ــ وحقيقة أن أساليب القتل أدت إلى تعظيم إذلال إيران ــ من المرجح أن تدفع طهران، وربما الجماعات المسلحة الأخرى التي تدعمها، إلى الرد”.
ويقول التقرير إن “إن التقارير التي تبثها وسائل الإعلام الغربية عن الاغتيالات التي وقعت الأسبوع الماضي تميل إلى تسليط الضوء على قدرات إسرائيل على شن هجمات عسكرية وتكنولوجية متطورة في عمق أراضي العدو”، وأضاف: “بعد الحرج الذي لحق بها في السابع من تشرين الأول، ربما تعطي هذه الصور الانطباع بأن الجيش الإسرائيلي أصبح مرة أخرى لا يقهر. ولكن هذا التفسير يسيء فهم الحقائق الصعبة التي تواجهها إسرائيل، وربما تحاول الأخيرة تجاوز حدودها في تحركاتها الإقليمية ليس لأنها تشعر بالقوة، بل لأنها تشعر بالضعف. ومن الناحية الأساسية، لا تستعين إسرائيل بحسابات استراتيجية طويلة الأجل في اتخاذ قراراتها، فقد وجه هجوم حماس في السابع من تشرين الأول ضربة مدمرة للردع الخاص بها. والآن، ومع استعدادها لتحمل مخاطر أعظم وتحمل تكاليف أعلى، تسعى إسرائيل إلى تحقيق مزايا تكتيكية كلما سنحت لها الفرصة في محاولة محمومة لاستعادة الردع”.
وأكمل: “ولكي نفهم الحسابات الإسرائيلية الحالية، فمن الأهمية بمكان أن ندرك كيف تغيرت نفسية البلاد منذ السابع من تشرين الأول. قبل هجوم حماس، كانت ثقة إسرائيل قد بلغت ذروتها، وقد أصبحت تل أبيب تعتقد أن الدول العربية سوف تقبلها حتى لو لم تحل صراعها مع الفلسطينيين، وأنها قادرة على ضرب إيران وحلفائها من دون عواقب تقريباً أو تعريض الدعم الذي تتمتع به من الولايات المتحدة للخطر. إثر ذلك، تحولت هذه الثقة بين عشية وضحاها تقريباً إلى شعور عميق بالضعف”.
وينقل كاتب التقرير عن مسؤولين إسرائيليين سابقين قولهم إنّ “السابع من تشرين الأول قلب العديد من المعتقدات الإسرائيلية السابقة بشأن قوتها. لقد حطم هجوم حماس الافتراضات الأساسية لدى الإسرائيليين وهي أن تفوقهم العسكري والتكنولوجي قادر على ردع خصومهم، وأنهم قادرون على العيش بأمان خلف الجدران والحدود المحصنة، وأنهم قادرون على الازدهار اقتصادياً من دون تحقيق تقدم كبير نحو السلام مع الفلسطينيين”.
وتابع: “الآن، بدأ كثيرون في المؤسسة الأمنية يدركون أن إسرائيل ليست قوية إلى هذا الحد، كما قال أحد مسؤولي الأمن القومي السابقين بصراحة”.
وأوضح التقرير أنَّ “العديد من الإسرائيليين الذين يدرسون أو يعملون في مجال الأمن القومي يشعرون بالغضب من حكومتهم بسبب إخفاقاتها الأمنية الهائلة في السابع من تشرين الأول وما بعده؛ كما يشعرون بالغضب لأن الزعماء الذين فشلوا في الحفاظ على أمن البلاد لم يخضعوا للمساءلة”.
ولفت إلى أنّ “انعدام الثقة في الحكومة منتشر على نطاق واسع”، وأضاف: “ربما تلقى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تصفيقاً حاراً عندما ألقى خطابه أمام الكونغرس الأميركي في تموز، لكن مستشاره للأمن القومي تساحي هنغبي لم يتمكن من الإدلاء بكلمة عندما تحدث في مؤتمر أمني إسرائيلي في هرتسليا قبل أسابيع. لقد قاطعه الحاضرون واتهموا الحكومة بإهمال أمن إسرائيل وخذلان الرهائن الذين ما زالوا يرزحون في غزة. وحتى داخل إسرائيل، هناك تصور واسع النطاق بأن نتنياهو ربما يطيل أمد الحرب من أجل بقائه السياسي”.
وتابع: “إن هذا القلق والغضب يعكسان تحديات محلية ملموسة للأمن القومي الإسرائيلي. إن قوات الدفاع الإسرائيلية منهكة على جبهات متعددة، من غزة إلى الضفة الغربية إلى شمال إسرائيل وما بعده. كانت محاولة نتنياهو لإصلاح القضاء في البلاد في النصف الأول من عام 2023 قد خلقت بالفعل انقسامات خطيرة بين القادة المدنيين وكبار القادة العسكريين. ورداً على الضغط الذي مارسه ائتلاف نتنياهو، هدد آلاف من جنود الاحتياط الإسرائيليين بعدم الذهاب إلى الخدمة”.
إلى ذلك، يقول التقرير إنه “من الواضح أن إسرائيل أخطأت في حساباتها عندما استهدفت أفراد الحرس الثوري الإيراني في منشأة في دمشق اعتبرها الإيرانيون موقعاً دبلوماسياً”، وأردف: “لم تكن إسرائيل تتوقع مثل الرد غير المسبوق والواسع النطاق والمباشر الذي تضمن إطلاق مئات الطائرات من دون طيار والصواريخ من الأراضي الإيرانية على إسرائيل خلال شهر نيسان الماضي”.
وتابع: “رغم إعجاب الإسرائيليين بالدفاع المتطور والمنسق الذي قادته الولايات المتحدة والذي صدَّ الهجوم، إلا أن هذا الدفاع أضر أيضاً بصورة الإسرائيليين الذين يعتمدون على أنفسهم. لقد طغى على أي شعور بالانتصار الخوف من أن تحاول إيران شن مثل هذا الهجوم الخطير مجدداً، والقلق من أن الهجوم التالي من هذا النوع قد لا يكون من السهل صده”.
وأكمل: “مع هذا، فقد كان المحللون الإسرائيليون سعداء بأن الرد الإسرائيلي ــ هجوم جوي محدود على قاعدة عسكرية إيرانية في أصفهان استهدف الدفاعات الجوية الإيرانية ــ قد أثبت قدرة إسرائيل على ضرب أهداف بدقة داخل إيران، بما في ذلك المواقع القريبة من المنشآت النووية الإيرانية”.
وقال: “لكن المسؤولين العسكريين الإسرائيليين لا يشعرون بالضرورة بالارتياح في الاعتماد على الردع عن طريق الإنكار ـ أي إقناع الخصوم بأن الهجمات لن تنجح ـ كما تفضل الولايات المتحدة. وفي نظر هؤلاء المسؤولين، فإن دفاع إسرائيل في نيسان لم يكن نجاحاً كاملاً، وذلك لأن التحالف الدفاعي لم يمنع الهجوم في نهاية المطاف؛ بل إنه عمل فقط على الحد من الأضرار”.
وتابع: “يشعر العديد من المحللين الأمنيين الإسرائيليين بالقلق إزاء تآكل موقف إسرائيل الإقليمي؛ وهم يخشون أن تكتسب إيران وحلفاؤها المزيد من القوة وأن إيران قد تجد المزيد من الحوافز لتسليح قدراتها النووية إذا اعتقدت أنها غير قادرة بالقدر الكافي على ردع إسرائيل بالوسائل التقليدية”.
واعتبر أنّ “الهجوم الإيراني في نيسان الماضي أدّى إلى تعميق تصور الإسرائيليين للتغيير الجذري في روح الشرق الأوسط”، وأضاف: “في إسرائيل، يرون أن أعداءها قد يعتقدون الآن أن تدمير البلاد هو في الواقع هدف واقعي. قد يكون هذا القلق مبالغاً فيه، فإسرائيل تحتفظ بأكثر القدرات العسكرية تقدماً في المنطقة وتستمر في الحصول على الدعم القوي من الولايات المتحدة وغيرها من القوى الغربية في حربها ضد إيران. لكن المحللين الإسرائيليين الرصينين يعبرون الآن عن شعور بالتهديد الوجودي الذي يصفونه بأنه مختلف عن أي شعور شعروا به منذ استقلال البلاد في عام 1948. ولكن على النقيض من عام 1948، لاحظ أحد كبار المسؤولين السابقين، أن إسرائيل لا تستمع إلى دروس رئيس وزرائها المؤسس ديفيد بن غوريون. لقد نصح الأخير بأن أفضل السبل للتعويض عن الضعف هي تعزيز التماسك الاجتماعي، وتعميق العلاقات الدبلوماسية، والسعي إلى السلام، ولكن إسرائيل تتحرك في الاتجاه المعاكس على جميع الجبهات”.
كذلك، وجد التقرير أنّ “إسرائيل تغامر دون أي استراتيجية سياسية، ومن غير المرجح أن يؤدي وضع الثقة في القوة العسكرية الغاشمة لاستعادة الردع ومضاعفة المواجهة مع إيران وحلفائها من دون خطة سياسية أو استراتيجية، إلى تغيير الديناميكيات الإقليمية الناشئة التي تقلق المخططين العسكريين الإسرائيليين”.
وختم: “لا شك أن إنهاء الحرب في غزة من شأنه أن يساعد في الحد من التهديدات الهائلة التي تواجهها إسرائيل الآن، رغم أن الجولة الحالية من التصعيد من غير المرجح أن تؤدي إلى التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار أو إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المتبقين. ولكن حتى إنهاء الصراع في غزة لن يحل في نهاية المطاف المعضلة الاستراتيجية الأكبر التي تواجهها إسرائيل. فإذا كانت تل أبيب تعتقدُ أنها لا تزال تعتقد أن دمج نفسها بشكل أكثر اكتمالا في الشرق الأوسط من خلال إبرام صفقات التطبيع مع جيرانها العرب من شأنه أن يهمش الجماعات المدعومة من إيران ويقلل من العداء تجاه البلاد، فيتعين عليها أن تتصالح مع حقيقة مفادها أن صراعها مع الفلسطينيين يشكل التهديد الوجودي الأكثر جوهرية بالنسبة لها. قد تعطي العمليات العسكرية التكتيكية المثيرة للإعجاب وهم النصر، ولكن السلام الدائم مع الفلسطينيين وحده القادر على ارساء الأمن الحقيقي”.
المصدر: “لبنان 24”