بينما كنت أشاهد الفيديو الذي وزعه الإعلام الحربي لـ “حزب الله” عن منشأة “عماد 4″، مع ما فيه من تقنيات تصويرية حديثة ومتطورة، خُيّل إليّ أني أمام فيلم من انتاج مدينة هوليوود، عن الحرب العالمية الثانية بين الالمان والحلفاء. فهذا الفيديو موجهّ بالدرجة الأولى إلى الإسرائيليين والأميركيين لأنه مرفق بترجمة إلى اللغتين الإنكليزية والعبرية لكلام قاله الأمين العام لـ “الحزب” السيد حسن نصرالله” في مناسبات عدّة، ويتحدّث فيها عمّا تملكه “المقاومة الإسلامية” من ترسانة ضخمة من الصواريخ الدقيقة والبعيدة المدى. وهو موجه، ولو بطريقة غير مباشرة إلى الداخل اللبناني ليقول له أن “حزب الله” عندما فتح الجبهة الجنوبية في وجه إسرائيل لم يكن يتسّلى، وهو عندما يقول إنه سيردّ على الاعتداء الإسرائيلي باغتيال القيادي الحاج فؤاد شكر في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت بقوة لا يمكن توقعّها بغض النظر عمّا يمكن أن تسفر عنه مفاوضات الدوحة من نتائج بالنسبة إلى عملية وقف النار في غزة والافراج المتبادل للأسرى والمعتقلين لا يمزح. والدليل ما أظهره هذا الفيديو من أنفاق عميقة وطويلة وعريضة ومجهزّة بأحدث التقنيات العسكرية واللوجستية.
وفي اعتقاد البعض أن توقيت توزيع هذا الفيديو على الاعلام يرتبط بما يجري في الدوحة، وهو رسالة موجهة من “حزب الله” إلى المجتمعين في الدوحة يقول لهم فيها أن “المقاومة الإسلامية” في لبنان غير معنية بما يجري في العاصمة القطرية من مفاوضات، وإن كان هدفها الأساسي وقف الحرب على غزة، وهي لم تكن لتفتح الجبهة الجنوبية من لبنان لو لم تُشنّ هذه الحرب وبهذه الشراسة ضد فلسطينيي غزة. ليس لأن “حزب الله” لا يريد التوصّل إلى ما ينهي المأساة الفلسطينية بعد كل هذه الخسائر البشرية والمادية التي تكبّدها الفلسطينيون على مدى عشرة أشهر ونيّف، بل لأنه يريد أن يكون طرفًا أساسيًا في هذه المفاوضات، وإن بطريقة غير مباشرة، إذ لا يكفي أن يتوصّل المفاوضون إلى هدنة قد تكون طويلة الأمد على مستوى قطاع غزة، بل يجب استكمال ما يمكن التوصّل إليه من نتائج على المستوى اللبناني المفتوحة جبهته على كل الاحتمالات في حال كانت إسرائيل في وارد الردّ على ردّ “حزب الله”.
فـ “حزب الله” أراد أن يقول للعالم أجمع من خلال هذا الفيديو، وقبله من خلال ما عاد به “هدهد1″ و”هدهد2″ و”هدهد3” من بنك أهداف من العمق الإسرائيلي لمواقع استراتيجية، أن مجرد تفكير إسرائيل بشن أي هجوم أو افتعال حرب واسعة ضد لبنان ترتكب خطأ تاريخيًا، لأن أي حرب إسرائيلية ضد لبنان لن تكون نزهة، على رغم الخسائر البشرية والمادية، التي سيتكبدّها لبنان بفعل هذه الحرب.
فهذا الفيديو كما يفسّر أهدافه المزدوجة أكثر من محلل استراتيجي هو بمثابة رسالة ذات وجهين متلازمين ومتوازيين في الوقت ذاته. الوجه الأول يقول إن من يذهب إلى السلام يستعد للحرب، والثاني أن من يستطيع أن يفرض مواقيت الحرب قادر على أن يفرض شروطه التفاوضية وصولًا إلى ما يحقّق السلام بالمفهوم المقاوم.
فما تضمنه هذا الفيديو من أسرار حربية قصد “حزب الله” إخراجها إلى العلن كان محل تحليل لدى القيادتين السياسية والعسكرية في إسرائيل، وكذلك من قِبل الصحافة، وقد يُبنى على مقتضاه الكثير من السيناريوهات، خصوصًا إذا ما أضيف ما فيه من مشاهد تكشف بعضًا من الصواريخ التي يملكها “الحزب” إلى تعليق السفارة الإيرانية لدى لبنان عبر منصة “إكس” على فيديو “عماد 4″، وجاء فيه: “في اللغة الفارسية، نطلق على المنشآت الصاروخية الموجودة تحت الأرض وداخل الصخور والجبال “مدن الصواريخ”. هذه المدن الصاروخية موجودة في كل أنحاء جغرافية إيران العزيزة، وهي تزرع الرعب في قلوب أعداء إيران. يمكننا، إذا لزم الأمر، مهاجمة العدو من أي نقطة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية”.
وقد تكون تسمية “عماد4” تعني أن هناك أكثر من منشأة تحمل الاسم ذاته بتسلسل رقمي من 1 إلى 4. وهذا يعني أن البنية العسكرية لـ “حزب الله” هي تحت الأرض وليس فوقها. وهذا ما يزرع الرعب في قلوب أعداء “الحزب” كما جاء اقتباسًا في تعليق السفارة الإيرانية. وهذا يعني بالمفهوم الواقعي والتشاؤمي أن الحرب لا تزال في بداياتها، مع ما يرافق ذلك من علامات استفهام تُرسم في أفق العاصمة القطرية.
المصدر: “لبنان 24”