فيما تشهد الساحة اللبنانية عجقة موفدين يحاولون بكل ما لديهم من إمكانات تجنيب لبنان تجرّع الكأس المرّة، اتخذت الحكومة قرارًا جريئًا بتطويع 1500 عنصر لصالح الجيش. قد يكون هذا الخبر في الأيام غير تلك التي يعيشها لبنان اليوم خبرًا عاديًا تفرضه الظروف الطبيعية لتطور الحياة العامة ومواكبتها. أمّا أن يأتي هذا القرار في هذه الظروف المصيرية فهو خبر غير عادي واستثنائي في أوقات استثنائية تتطلب قدرًا عاليًا من المسؤولية في تمكين لبنان من تحمّل ما لا يقوى عليه من دون مساعدة الآخرين له، الذين يسعون بكل قوة إلى حمايته من الأخطار، التي يمكن أن تواجهه في حال تطورت الأمور إلى ما لا تُحمد عقباها.
وعلى رغم الظروف المالية الصعبة للخزينة اللبنانية كان لا بدّ من تطويع هذا العدد لينضموا إلى المؤسسة العسكرية. وهذا القرار يعني بالمفهوم الوطني أن الحكومة بكل مكوناتها وحتى بالمكونات السياسية غير الممثلة فيها تتطلع إلى الدور المؤهلة لأن تؤديه المؤسسة العسكرية الأم، بمؤازرة سائر القوى العسكرية، على الحدود الجنوبية تطبيقًا للقرار الدولي الرقم 1701، بالتعاون مع قوات الطوارئ الدولية، التي سيجدّد لها طبيعيًا. وهذا القرار يعني أن الجيش بتركيبته الوطنية الصافية هو وحده القادر على أن ينشر الاطمئنان حيثما يحّل، وهو الوحيد المقبول من الداخل والخارج، لأنه يتصرّف على الأرض بوحدة معايير، وهو على مسافة واحدة من الجميع. هذا هو دوره. وهذا ما يقوم به من خلال المهمات التي ينفذها سواء في الداخل، حيث يفرض الأمن بحزم وحسم، أو على الحدود الشمالية والشرقية، حيث يشكّل زنار أمان واستقرار بقدر ما تسمح له الطبيعة الجغرافية على طول الحدود، التي تمتد لكيلومترات.
فالجيش هو حامي الحمى ولا أحد سواه مؤهّل ليقوم بهذا الدور. هو الوحيد الذي يمكنه أن يكون عامل استقرار وضمانة للمستقبل، وهو مقبول من جميع اللبنانيين من دون استثناء. أمّا ما عداه فلا إجماعًا لبنانيًا على ما انتدب نفسه له على رغم اعتراف الجميع بما يتكبده من خسائر في الأرواح، وما يحّل بأهل الجنوب من خسائر مادية. ويقول شهود عيان من القرى المعرّضة للقصف الإسرائيلي المركّز واليومي إن القرى المنتشرة على طول الحدود وبعمق ما يقارب الخمسة كيلومترات عرضًا قد أصبحت أثرًا بعد عين بعدما تحوّلت منازلها إلى أطلال، وبعدما أحرقت حقولها وبساتينها وأحراجها.
فتطويع 1500 عنصر لصالح الجيش، وهي خطوة أولى ستتبعها خطوات مماثلة أخرى، تعني بالنسبة إلى المتفائلين أن الحّل آت لا محال، وإن تأخرّ بعض الشيء. ومع عودة الاستقرار إلى الجنوب المعذّب سيُعاد بناء ما تهدّم، وستعود الحياة تدّب من جديد في شرايين الوطن الجنوبي. فالحرب لن تدوم إلى الأبد. والفضل بذلك يعود أولًا إلى الجهود الديبلوماسية التي بُذلت على أكثر من صعيد من خلال السلسلة المتكاملة حلقاتها من الاتصالات، التي أجراها ويجريها في كل لحظة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي يتحمّل مع وزراء حكومته مسؤولية تاريخية في ظرف تاريخي ومصيري من عمر الوطن.
فما تبّلغه رئيس الحكومة من الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين، وما سمعه من وزير خارجية فرنسا ستيفان سيجورنيه، ومن وزير خارجية مصر الدكتور بدر عبد العاطي، وما نقله إليه الموفدون الدوليون، يصّب في خانة تطبيق القرار 1701. وهذا التطبيق غير ممكن إذا لم يكن الجيش جاهزًا، عدّة وعديدًا مع قوات “اليونيفيل، لكي يقوم بالدور المطلوب منه في منطقة حسّاسة ولها ظروفها الاستثنائية، والتي يفرض التعامل معها الكثير من الحكمة والوعي، من دون أن يعني ذلك التخّلي عن الحزم والحسم ومنطق القوة حين يكون ذلك ضروريًا.
المصدر: “لبنان 24”