اخبار بارزة لبنان

هذا ما قصده البابا فرنسيس بأن لبنان “يجب أن يبقى مشروع سلام”

في الوقت الذي كان فيه “حزب الله” يرد على عملية اغتيال أحد قادته الميدانيين فؤاد شكر، كان رأس الكنيسة الكاثوليكية قداسة الحبر الاعظم البابا فرنسيس يستقبل وفدا من أهالي انفجار المرفأ، وبينهم مسيحيون ومسلمون. وكان له موقف لافت، مذّكرًا بما سبق أن قاله البابا القديس يوحنا بولس الثاني عن هذا الوطن – الرسالة، الساكن في ضمائر البابوات ووجدانهم، لأنه يجسد بالنسبة إلى الكرسي الرسولي منذ إعلانه كبيرًا قبل مئة وأربعة أعوام من الآن ذاك البلد الذي يستطيع أن يعيش فيه المسيحيون والمسلمون على تعدّد مذاهبهم متجاورين ومتفاهمين على ما يجمع بينهم، وحتى على ما يباعدهم، خصوصًا عندما تستقوي فئة على أخرى بالخارج، وعندما تتقدّم مصالح هذا الخارج، أيًّا كانت هويته ومشروعه وهدفه، على المصالح المشتركة لبلد أرتضى أبناؤهم أن يعيشوا تحت سقف واحد بالحدّ الأدنى من الوئام والتوافق. وهذا ما عبّر عنه جميع البابوات، الذين تعاقبوا على تولي مسؤولية كرسي بطرس، والذين رأوا في هذا البلد الصغير بحجمه، ولكن الكبير بدوره، ذاك البلد النموذجي في الحياة المشتركة، الذي يجب أن يكون مثالًا عالميًا يُحتذى. وهذا ما ورد في وثيقة “الأخوّة والإنسانية”، التي وقعها في كل من البابا فرنسيس وشيخ الأزهر الشيخ أحمد الطيب في 4 شباط من العام 2019 في دولة الأمارات المتحدة، والتي جاءت بنودها متطابقة مع ما عاشه اللبنانيون منذ إعلان دولة لبنان الكبير، وأن تخّلل هذا العيش بعض الحوادث التي نغصتّ حلاوة هذا العيش في فترات متقطعة. وقد جاء ما في الوثيقة كترجمة مقتبسة عن تجربة العيش الواحد في لبنان، وفيها:

-القناعةُ الراسخةُ بأنَّ التعاليمَ الصحيحةَ للأديانِ تَدعُو إلى التمسُّك بقِيَمِ السلام وإعلاءِ قِيَمِ التعارُّفِ المُتبادَلِ والأُخُوَّةِ الإنسانيَّةِ والعَيْشِ المشترَكِ(…)

– أنَّ الحريَّةَ حَقٌّ لكُلِّ إنسانٍ: اعتقادًا وفكرًا وتعبيرًا ومُمارَسةً، وأنَّ التَّعدُّدِيَّةَ والاختلافَ في الدِّينِ واللَّوْنِ والجِنسِ والعِرْقِ واللُّغةِ حِكمةٌ لمَشِيئةٍ إلهيَّةٍ (…)

– أنَّ الحوارَ والتفاهُمَ ونشرَ ثقافةِ التسامُحِ وقَبُولِ الآخَرِ والتعايُشِ بين الناسِ، من شأنِه أن يُسهِمَ في احتواءِ كثيرٍ من المشكلاتِ الاجتماعيَّة والسياسيَّة والاقتصاديَّة والبيئيَّة التي تُحاصِرُ جُزءًا كبيرًا من البَشَرِ.

– أنَّ الحوارَ بين المُؤمِنين يَعنِي التلاقيَ في المساحةِ الهائلةِ للقِيَمِ الرُّوحيَّةِ والإنسانيَّةِ والاجتماعيَّةِ المُشترَكةِ، واستثمارَ ذلك في نَشْرِ الأخلاقِ والفَضائلِ العُلْيَا التي تدعو إليها الأديانُ، وتَجنُّبَ الجَدَلِ العَقِيمِ.

– أنَّ مفهومَ المواطنةِ يقومُ على المُساواةِ في الواجباتِ والحُقوقِ التي يَنعَمُ في ظِلالِها الجميعُ بالعدلِ؛ لذا يَجِبُ العملُ على ترسيخِ مفهومِ المواطنةِ الكاملةِ في مُجتَمَعاتِنا، والتخلِّي عن الاستخدام الإقصائيِّ لمصطلح «الأقليَّاتِ» الذي يَحمِلُ في طيَّاتِه الإحساسَ بالعُزْلَةِ والدُّونيَّة، ويُمهِّدُ لِبُذُورِ الفِتَنِ والشِّقاقِ، ويُصادِرُ على استحقاقاتِ وحُقُوقِ بعض المُواطِنين الدِّينيَّةِ والمَدَنيَّةِ، ويُؤدِّي إلى مُمارسةِ التمييز ضِدَّهُم.

وفي ختام الوثيقة “دعوة للمُصالَحة والتَّآخِي بين جميعِ المُؤمِنين بالأديانِ، بل بين المُؤمِنين وغيرِ المُؤمِنين، وكلِّ الأشخاصِ ذَوِي الإرادةِ الصالحةِ؛ لتَكُنْ وثيقتُنا نِداءً لكلِّ ضَمِيرٍ حيٍّ يَنبذُ العُنْفَ البَغِيضَ والتطرُّفَ الأعمى، ولِكُلِّ مُحِبٍّ لمَبادئِ التسامُحِ والإخاءِ التي تدعو لها الأديانُ وتُشجِّعُ عليها؛ لتكن وثيقتُنا شِهادةً لعَظَمةِ الإيمانِ باللهِ الذي يُوحِّدُ القُلوبَ المُتفرِّقةَ ويَسمُو بالإنسانِ؛ لتكن رمزًا للعِناقِ بين الشَّرْقِ والغَرْبِ، والشمالِ والجنوبِ، وبين كُلِّ مَن يُؤمِنُ بأنَّ الله خَلَقَنا لنَتعارَفَ ونَتعاوَنَ ونَتَعايَشَ كإخوةٍ مُتَحابِّين. هذا ما نَأمُلُه ونسعى إلى تحقيقِه؛ بُغيةَ الوُصولِ إلى سلامٍ عالميٍّ يَنعمُ به الجميعُ في هذه الحياةِ.”

ومن حيث انتهت إليه الوثيقة في ما يتعلق بالسلام جاء كلام البابا فرنسيس أمام وفد من أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت، فشدّد

على أن لبنان هو مشروع سلام، ويجب أن يبقى مشروع سلام. وكلمة “يجب” تحمل الكثير من المعاني، خصوصًا إذا تمّ عطفها على ما جاء في تكملة حديث البابا عندما قال إن لبنان يدفع ثمن الحروب في المنطقة. وهذا يعني أن حاضرة الفاتيكان قلقة على لبنان كـ “مشروع للسلام”. وإذا فقد لبنان هذا الدور فإن لا سلام في المنطقة بأسرها، وبالتالي لا استقرار، وسيدفع الجميع الثمن. وهذا ما يحذّر منه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في كل لقاءاته واتصالاته الهادفة إلى تجنيب لبنان مآسي حرب لا طائل منها، وتهدّد السلام فيه، ومنه إلى كل دول المنطقة.

المصدر: “لبنان 24”