اختتم الأسبوع الماضي بلوحتين سياسيتين متناقضتين. الأولى من خلال الكلمة المتلفزة لرئيس مجلس النواب نبيه بري في ذكرى تغيب الامام موسى الصدر. والثانية لرئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع في قداس شهداء المقاومة اللبنانية. وقد جاءت اللوحة الثانية ردّا على ما قيل في اللوحة الأولى، وما بينهما من لوحات تبدأ بالجنوب اللبناني ولا تنتهي بالقصر الجمهوري في بعبدا. ففي خلفيات اللوحة الأولى يقف لبنان منذ أحد عشر شهرًا تقريبًا على فوهة بركان لا يعرف أحد متى يثور ومتى تصل حممه وشظاياه إلى أبعد من حدود لبنان. أما حدود اللوحة الثانية فهي لا تتعدّى بضعة أمتار من الحدود الطبيعية لقصر من دون رئيس منذ ما يقارب السنتين. إلاّ أن ما يجمع بين اللوحتين، مع ما فيهما من خطوط سوريالية، هو اتفاق كل من الرئيس بري، ومعه محور “الممانعة”، والدكتور جعجع، ومعه محور “المعارضة”، على أن “ساحة النجمة” هي الممر الطبيعي والالزامي للوصول إلى بعبدا، وليس أي ساحة أخرى، وذلك “تحت سقف الدستور وبالتشاور بين الجميع دون إملاء أو وضع فيتو على أحد”. هذا ما قاله بري الذي دعا “كافة الأطراف السياسية والبرلمانية الى التقاط اللحظة الراهنة التي تمر بها المنطقة من أجل المسارعة الى إنجاز الاستحقاق الرئاسي بأقصى سرعة ممكنة”، وأضاف: “واليوم نعود ونؤكد على ما طرحناه في 31 آب من العام الماضي في مثل هذا اليوم، هو لا يزال دعوة مفتوحة للحوار أو التشاور، لأيام معدودة يليها دورات متتالية بنصاب دستوري دون إفقاده من أي طرف كان. تعالوا غداً إلى التشاور تحت سقف البرلمان، وصولاً الى رئيس وطني جامع يستحقه لبنان واللبنانيون في هذه اللحظة الحرجة من تاريخه”.
أمّا جعجع فاعتبر أنّ “انتخاب رئيس الجمهورية يجبْ ألّا يكون موضع مساومةٍ، بلْ يجبْ أنْ يبقى مستنداً الى قواعد دستوريةٍ واضحة لا لبْس فيها ولا تخضع لأيّ اجتهاد. وعلى الرئيس نبيه بري أنْ يدعو وكما نصّ الدستور إلى جلسة انتخابٍ مفتوحةٍ بدوراتٍ متتاليةٍ حتى التوصّل إلى انتخاب رئيسٍ للجمهوريّة.
ولْيفزْ منْ يفزْ ويلْقى التهنئة والمباركة من الجميع بدلاً منْ أنْ نظلّ في دوّامة التعطيل والدعوات العقيمة إلى حوارٍ، جرى ويجري كلّ يومٍ ومنْ دون أنْ يؤدّي إلى أيّ نتيجة. على الرئيس بري أنْ يفكّر ويتصرّف من موقعه الدستوريّ المسؤول كرئيسٍ لمجلس النواب وليس منْ موقعه السياسيّ كطرفٍ وحليفٍ لحزبٍ لديه حساباتٌ ابعد منْ رئاسة الجمهوريّة وأبْعد منْ لبنان حتّى”.
وأوضح أننا “لنْ نقبل وتحت ايّ ظرفٍ من الظروف بأنْ يفْرض فريقٌ لبنانيٌّ موقفه ومرشّحه على كلّ الآخرين، وأنْ يضع يده على رئاسة الجمهوريّة وأنْ يمْعن في التّعطيل والتزوير. الطريق إلى قصر بعبدا لا تمرّ في حارة حريك، والدخول إلى قصر بعبدا لا يكون من بوابة عين التينة ووفْق شروطها وحوارها المفْتعلْ. الطريق الى قصر بعبدا تمرّ فقطْ في ساحة النّجمة ومنْ خلال صندوق الاقتراع. إنّ مسألة رئاسة الجمهوريّة تعني جميع اللبنانيين والمسيحيين منْهم بشكلٍ خاص عملاً بقواعد النّظام. ولا يمكن لأيّ فريقٍ مهْما جبر وتجبّر ورفع الصوت وتوعّد أنْ يحتكر ويتحكّم وينسف التوازنات والشراكة الوطنيّة ويبتدع سوابق ويستحدث اعرافاً تصبح اقوى من الدستور وفروعاً تصبح هي الأصل والأساس”.
فما بين هاتين اللوحتين، وفق بعض الأوساط السياسية المراقبة، مساحة مشتركة لم تكن متوافرة قبل هذا التاريخ، على رغم أن ما بين هذين المحورين السياسيين الكثير من نقاط خلافية يجب وضعها على طاولة التشريح، وفي إطار حوار جدّي وفاعل، يُعقد في قصر بعبدا بعد انتخاب رئيس جديد، وذلك من أجل التفكير في العمق ومرّة أخيرة وبكل شفافية وموضوعية وجرأة وصراحة، ومن دون لفّ ودوران، عن “أي لبنان يريد اللبنانيون”، لبنان المقاوم أو لبنان المحايد، لبنان يحتكر فيه قسم من أبنائه قرار الحرب والسلم، أو لبنان المشاركة الحقيقية في القرارات الصعبة وفي السلطة المتوازنة، بعيدًا عن “سطوة” السلاح تارة، والتلويح بالعدد طورًا؟
فجديد ما هو مشترك في كلام كل من الرئيس بري والدكتور جعجع هو الاحتكام إلى الدستور في الاستحقاق الرئاسي. فالأول دعا إلى انتخاب رئيس “تحت سقف الدستور وبالتشاور بين الجميع دون إملاء أو وضع فيتو على أحد”. والثاني طالب الرئيس بري بأنْ يدعو وكما نصّ الدستور إلى جلسة انتخابٍ مفتوحةٍ بدوراتٍ متتاليةٍ حتى التوصّل إلى انتخاب رئيسٍ للجمهوريّة. “ولْيفزْ منْ يفزْ ويلْقى التهنئة والمباركة من الجميع بدلاً منْ أنْ نظلّ في دوّامة التعطيل والدعوات العقيمة إلى حوارٍ، جرى ويجري كلّ يومٍ ومنْ دون أنْ يؤدّي إلى أيّ نتيجة”.
ولكن، وكما هو ظاهر حتى الآن، فإن لتفسير الدستور في الاستحقاق الرئاسي أكثر من اجتهاد، ولكل من هذه الاجتهادات نظرته، ومنطقه، ومبرراته، وحججه. وحتى تنجلي غبار الحرب الدائرة في غزة وفي الجنوب، وحتى جلاء المعركة الرئاسية الأميركية، وما ستكون عليه حال المفاوضات الأميركية – الإيرانية فإن قصر بعبدا سيبقى فارغًا حتى إشعار آخر.
المصدر: “لبنان 24”