ماذا يحصل في قروض “الإسكان”؟ وهل جُمّد حق الفقراء بمنازل “على قدن”؟

تعديل شروط قروض الإسكان، وما أحدثته من بلبلة، أُضيف إلى ضعف القدرة الشرائية لدى شريحة واسعة من الشباب اللبناني، في ظل التفاوت الكبير بين أسعار العقارات من جهة ودخل الفرد من جهة ثانية، أتى ليحدّ من قدرة كثير من اللبنانيين على تملّك منزل.

فما الذي حصل، وكيف سينعكس رفع سقف شروط القروض وفائدتها وتقليص الكوتا الممنوحة للمصارف على الأسواق؟

مصادر مطلعة أوضحت لـ “لبنان 24” أنّ القروض المدعومة من مصرف لبنان لغايات السكن لم تتوقف، والمصرف المركزي مستمرّ بدعم القروض الإسكانية، ولكن الآلية تغيّرت وخضعت لتعديلات في الشروط لضبط إنفاقها، لاسيّما بعد أن استنفدت المصارف التجارية 750 مليار ليرة خلال شهرين فقط من خلال طلب غير عادي، وهذا لا يعني أنّنا أمام وضع جيد، فهناك مصارف استنفدت كامل الكوتا المخصصة لها في فترة قصيرة، ولم تكن قد أبلغت المصرف المركزي عن حجم الطلبات، وعند صدور تعميم مصرف لبنان تبيّن أنّ بعضها تجاوز الرقم المخصص له في الكوتا، بالمقابل هناك عدد من المصارف لا زالت تتمتع بسيولة ولكنّها لا تغطي كامل الطلب .

نقيب الوسطاء والإستشاريين العقاريين وليد موسى رأى أنّ الضجة الإعلامية التي أثيرت حول الشروط الجديدة التي اتخذها مصرف الإسكان أكبر من حجمها، موضحا في حديث لـ “لبنان 24″، أنّ “مصرف لبنان رفع الفائدة وقلّص كوتا المصارف الخاصة بالقروض، ولكن مصرف الإسكان هو من أخذ قرار تقليص فترة السداد من 30 إلى 20 عاماً، في حين أنّ باقي المصارف لا زالت على فترة سداد محددة بـ 30 سنة، ولكنّ المشكلة أنّ الكوتا انخفضت وبالمقابل استهلكت بعض المصارف حصّتها منها من خلال منحها موافقات على قروض توازي حصتها، بما يعني أنّ هناك مصارف تجاوزت النسبة المخصصة لها لهذا العام وغير قادرة أن تسلّف”.

وأضاف موسى إن “رفع الفوائد وبنسب ضيئلة محمول، والمشكلة بالكوتا وتجاوز بعض المصارف لها، الأمر الذي جمّد العديد من الملفات والطلبات، وفرض جموداً في السوق، لن تتمكّن معه الطبقة الوسطى من الحصول على قرض سكني، ولن يتمكّن المطوّرون العقاريون من بيع الشقق، مما يفرض مزيداً من الجمود على القطاع العقاري”.

وأمل موسى أن يعاد النظر بالكوتا وإن أقرّ بالوضع الإقتصادي الدقيق الذي يفرض على المصرف المركزي أن يكون حذراً .

موسى لفت إلى أنّ تقليص فترة سداد القرض مؤشر سيء، سيؤدي إلى زيادة نسبة السند والقسط الشهري وسيحدّ من إمكانية المقترض، لاسيّما وأنّ سلسلة الرتب والرواتب لم تشمل القطاع الخاص، وبقيت القدرة الشرائية لدى هؤلاء على حالها .

ولكن ماذا عن الإشكالية التي دفعت مصرف لبنان لتقليص الكوتا؟ ولماذا لا تستخدم المصارف التجارية السيولة المتوافرة لديها وبنسب عالية في تمويل القروض الإسكانية ؟

تجيب المصادر المطلعة السابقة الذكر:” قد يكون حضّ المصارف على تحريك وتشغيل السيولة المتوافرة لديها أحد الأهداف، ولكنّ المصارف تحجم عن إعطاء قروض بفوائد منخفضة طالما أنّها قادرة على وضعها بسندات خزينة تستحصل من خلالها على فائدة أعلى”.

ماذا عن القروض الممنوحة من قبل مؤسسة الإسكان المخصصة لذوي الدخل المحدود وقروض القوى الأمنية والعسكرية هل تتأثر بالوضع الجديد؟

“بلا شك تتأثر سلباً كون المصرف بالنهاية هو من سيدفع قيمة القرض” تلفت المصادر، موضحة أنّ الإشكالية لم تكن بسبب القروض الممنوحة عبر المؤسسة العامة للإسكان أو أسكان الجيش،نظراً للشروط الدقيقة والقاسية التي يتطلبها الحصول على قرض من المؤسسة، كعدم امتلاك المستفيد منزلاً آخر والتأكد من الدوائر العقارية ومحدودية مدخوله وفضلاً عن السقف المتدني للقرض، وبالتالي قروض المؤسسة وتلك التابعة للجيش والعناصر الأمنية مضبوطة بالكامل ولا تحتمل أيّ مخالفات، ولكنّ الإشكالية أنّ شروط المؤسسة لا تنطبق على مصرف الإسكان ،بحيث يستفيد منه من يملك منزلاً آخر وقادر على الحصول على قرض بـ 800 مليون ليرة، وبالتالي ما حصل لم تنحصر تداعياته بمصرف الإسكان فقط، بل سيرتدّ على الفقراء المستفيدين من قروض المؤسسة الذين لن يحصلوا في ظل الوضع القائم على الموافقة مجرد مطابقتهم للشروط بل عليهم انتظار سيولة قد لا تكون متوافرة”.

وبرأي المصدر أنّ الخلل الذي دفع بالمصرف المركزي لتقليص الكوتا كان يتطلب من الدولة معالجات، لا تكون على حساب الحلقة الأضعف من الناس تؤدي إلى تقليص القروض الإسكانية بكاملها، معتبراً أنّنا أمام أزمة ستنعكس ليس على القطاع العقاري فحسب بل على مجمل الدورة الإقتصادية في البلد، لأنّ عملية شراء الشقق تحرّك عدداً كبيراً من القطاعات الإقتصادية، قبل عملية الشراء أثناءها وبعدها ،بحيث ينخرط القسم الأكبر من القطاعات في دورة اقتصادية تشمل المهندسين وعمال البناء والعقاريين وقطاع المفروشات والتجهيزات وكل القطاعات العاملة في تشيد المنازل وتجهيزها”.

أزمة القروض هذه تقودنا إلى التصويب على الخلل الحقيقي المتمثل بغياب سياسة إسكانية من قبل الدولة، لعلّ إقرار قانون الإيجار التملكي يأتي في مقدّمها، ليشكّل حلّاً لذوي الدخل المحدود الذين يرَون في حق السكن طموحاً كبيراً يتخطى قدراتهم المادية .
لبنان24