

تحت عنوان “أحلى ناس” في أبشع منافسة، كتب جوزف طوق في صحيفة “الجمهورية”: تركض البرامج الحوارية، تتزاحم على موضوعات وقضايا، وتتفَركش أكثريتها في الابتذال والفضائحية، فيما يتمشّى برنامج “أحلى ناس” بحوار أنيق يعاني حساسية على الاسترخاص.
تتنافس البرامج الحوارية وتتقاتل على أسماء ضيوف مُستهلكة من شاشة إلى أخرى، ويتغندَر “أحلى ناس” بين أسماء تكاد تشبه البراعم في غابات الاستهلاك المتوحّش.
تمرّ حلقات “أحلى ناس” وتتعاقب عليها وجوه الضيوف، بعضها يُنتسى بمجرّد انتهاء الحلقة من دون أي عناء، ولكن البعض الآخر يترك أثراً يصعب مَحوه حتى بعد انتهاء الحلقة أو حتى الموسم.
فقد كانت لافتة الحلقات الأكثر من مميّزة بضيوفها القادمين من خارج فضاء المنافسة، وبمضونها الذي يضيف نضارة إلى بشرة الترفيه.
20 أو 30 هي مجموع أسماء الضيوف الذين يدورون في غسّالة برامج الترفيه المحلّي، فينشرهم مضيف من هنا ويكويهم واحد من هناك، ويتنقّل هؤلاء الضيوف من شاشة إلى شاشة ولم يزيدوا إلى مشوارهم أكثر من آخر طبخة تناولوها بين حوارين متزاحمين…
وإذا كان وضع الإعلام اللبناني المالي الحالي هو ما يمنع استقدام ضيوف عرب وأجانب في هذه المرحلة، فقد تبيّن أنّ بعض الأسماء الكبيرة “قبضَت جَدّ” ابتسامة رابعة الزيات ومضمون حواراتها وحلّت ضيفة على برنامجها، وكانوا ضيوفاً اشتقنا إلى رؤية وجوههم وسماع أصواتهم على الشاشات المحليّة من أمثال هاني شاكر، ودريد لحّام، ودينا، وديانا حداد.
وعبارة “بعد غياب طويل” هي أصدق توصيف لإطلالات هذه الأسماء الأربعة في الإعلام اللبناني، والاستمتاع هو أوضح تعبير عن حال المشاهدين الذين تابعوا حوارات غنية غير فضائحية ومنوّعة غير سطحية. واستضافة 4 ضيوف، وليس أي ضيوف، من خارج الحدود في موسم واحد تكاد تكون سابقة لبرنامج حواري لبناني في الـ2017.
نجحت رابعة الزيات وفريق عملها في إقناع المشاهدين بمدى ارتياح الضيوف في الحوارات معها، وتأكّد ذلك في التصريحات والاعترافات التي أدلوا بها على الهواء، فكشفوا لنا جوانب من شخصياتهم لم نعرفها في حوارات سابقة. بَرهنت الزيات عن قدرة فريدة في محاورة ضيوفها ببساطة وشفافية، وبابتسامة مُعدية أوقعت الضيوف في فخّ الارتياح لدرجة الإفصاح.
فكان إعداد حلقات هؤلاء الضيوف الأربعة مشغول بإتقان والأسئلة مطروحة باحترام، فلم ندخل إلى غرف نوم الضيوف ولا حتى إلى جوارير ملابسهم الداخلية، بل جلسنا في صدر صالوناتهم واستمتعنا بنغماتهم وصدق مشاعرهم وهزّة خصورهم وتعابير تمثيلهم.
واللافت أنّ ديكور «أحلى ناس» لم يكن ثابتاً بل تغيّر بحسب الضيف، فكانت اللمسة الإخراجية مشغولة على مقاس كلّ ضيف، فتبدّل الديكور وتنوّعت الـGraphics وBackground في الاستوديو لتلائم وصلة رقص أو مشهداً تمثيلياً أو مقطعاً غنائياً.
مع دينا تذكّرنا فجأة كم اشتقنا إلى الرقص الشرقي، وكم نسينا أنه أخذ وقتاً من أمسياتنا ومساحات ترفيهنا وكم أصبح غائباً الآن. ومع ديانا حداد انتبهنا إلى أنّ لبنان صَدّر صوتاً فريداً منذ سنوات واشتاق لحضوره على الساحة المحلية، وكان هذا جلياً من نسبة التفاعل على السوشل ميديا.
ومع دريد لحّام لم نجلس لنشاهد حركات غوار الطوشة ونستمع إلى “فطّوم فطّوم”، بل سمعنا اعترافاته بالخيانة الزوجية وعلاقته مع عائلته والسياسة والفنّ والحياة. واكتشفنا مع هاني شاكر حجم لبنان المهول في أعين العرب والعالم، ومدى أهميته بالنسبة إلى المطربين العرب تحديداً، وتأكّدنا أنّ إعلامنا ما زال مهمّاً بالنسبة إلى النجوم الكبار من خارج الحدود.
وعلى رغم هذا النجاح وهذا الخرق الترفيهي، إلّا أنّ نجاحات الزيّات لا يمكن ان تأخذ مداها إلّا إذا خلعت المحاورة الأنيقة بعض إكسسوارات الحوار الكلاسيكي “المهذّب”، وكثّفت من رصاص مشاغباتها الحوارية المباشرة، خصوصاً أنها تمتلك قدرة فريدة بالتعبير بوجهها وجسدها، تخترق بها دفاعات ضيفها.
(جوزف طوق – الجمهورية)