بات شبه مؤكد أن الإدارة الأميركية تجهد لتجنب اشتعال الجبهة اللبنانية، فربطاً بكل الرسائل الأميركية التي وصلت إلى لبنان وتصب في هذا الإتجاه، كان البارز أمس إشارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الى أنّ “إسرائيل لا تريد التصعيد وليس من مصلحة اللبنانيين حدوث أي تصعيد”، مشدداً على أن “واشنطن تبحث عن طرق سياسية لنزع فتيل التوتر في جنوب لبنان”، قائلاً: “يهمنا ألا تشتعل الجبهة”.
وبينما يجول بلينكن في المنطقة، يزور الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل بيروت حيث التقى أمس رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب، وأكد موقفاً أوروبياً يتقاطع مع الموقف الأميركي لجهة الحرص على عدم توسع الحرب بإتجاه لبنان، متخوّفاً من التصعيد الإسرائيلي، مشدداً على وجوب أن “تكون الأولوية لوقف الحرب على قطاع غزة لان ذلك هو المدخل لعودة الهدوء الى لبنان وحينها يسهل البحث بتطبيق كامل لمدرجات القرار 1701”.
الموقف اللبناني الرسمي كان موحداً في عين التينة والسراي، حيث أكد كل من بري وميقاتي التزام لبنان تطبيق القرار الدولي الرقم 1701، وعلى أن التطبيق الكامل لهذا القرار يستوجب أولا وقف الانتهاكات الاسرائيلية للسيادة اللبنانية والانسحاب من الاراضي اللبنانية التي لا تزال تحتلها إسرائيل.
وسط ما تقدم، فإن المؤكد أن الحلول لأزمات لبنان ستبقى معلقة بانتظار نضوج التسويات السياسية في المنطقة والتي لا بد أن ترخي بظلالها أولا على قطاع غزة والمكتسبات التي يمكن ان يحققها فريق “محور المقاومة”، لأن حزب الله يبدو أنه يتقاطع إلى حد كبير مع الاميركيين لجهة أن لا نقاش في تثبيت الحدود البرية قبل وقف إطلاق النّار.
وبحسب مصادر سياسية، فإنّ “الحزب منفتح على اي نقاش فور وقف إطلاق النار ولا صحة لما يقال من أنه يرفض التفاوض في هذا الشأن أو في القرار 1701″، مع إشارة المصادر الى أن “حزب الله مرتاح جداً للموقف اللبناني الرسمي الذي يعبر عنه الرئيسان بري وميقاتي في ما خص القرار 1701، وأنه لم يناقش بعد على المستوى الداخلي ما يحكى عن القرار وبنوده لا سيما الإنسحاب من جنوب الليطاني، ويكتفي المقربون منه بالقول عندما تنتهي الحرب لكل حادث حديث”.
ويقول مصدر على تواصل مستمر مع المسؤولين الاميركيين، إن “واشنطن تبدي اقتناعاً بأن انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية المحتلة من شأنه أن يعزز الاستقرار في الجنوب ويشكل منطلقاً لابعاد الحزب عن جنوب الليطاني وإيجاد آلية واضحة لكيفية التعاطي مع سلاحه من خلال ما يعرف بالاستراتيجية الدفاعية التي لا بد أن تطرح على طاولة البحث بعد إنتخاب رئيس للجمهورية”.
هذه الأفكار الاميركية لا تزال محل بحث، لكن لا شيء عملياً في هذا الخصوص، وسط تأكيد مصدر في “قوى 8 آذار”، أن الحزب يتمتع ببصيرة تؤهله مقاربة الأمور بما يخدم مصلحة لبنان وحمايته والحفاظ على سيادته، وبالتالي كل ما يقال لا يزال في إطار الطروحات التي تنتظر مدى تجاوب تل أبيب معها، فحزب الله الذي أرسى معادلات مع العدو جعلت الاخير يحسب الف حساب قبل أن يقدم على اي حرب مفتوحة، وبعد تثبيت قواعد الاشتباك وميزان الردع، أصبح اليوم أمام معادلة جديدة خاصة بعد استهدافه أمس بـ62 صاروخا منشأة المراقبة الجوية الإسرائيلية في ميرون، حيث برزت فعالية الصواريخ الموجهة التي استعملت من قبل الحزب وفعالية منظومة الاستعلام لديه في مقابل عجز منظومة الدفاع عند إسرائيل، علماً أن العميد المتقاعد أمين حطيط أكد أن “قصف الحزب لمنشأة ميرون هو استثناء يخرج عن الحرب المقيدة التي يمارسها حزب الله، ومن شأنه ايلام العدو في العديد والعتاد والوظيفة العملانية الاستراتيجية، من دون ان يتسبب منطقيا بحرب فيستجيب بذلك لشروط الرد على اغتيال القيادي في حركة حماس صالح العاروري ويرمم معادلة الردع”.